صفحة جزء
( عمد ) العين والميم والدال أصل كبير ، فروعه كثيرة ترجع إلى معنى ، وهو الاستقامة في الشيء ، منتصبا أو ممتدا ، وكذلك في الرأي وإرادة الشيء .

من ذلك عمدت فلانا وأنا أعمده عمدا ، إذا قصدت إليه . والعمد : نقيض الخطأ في القتل وغيره ، وإنما سمي ذلك عمدا لاستواء إرادتك إياه . قال الخليل : والعمد : أن تعمد الشيء بعماد يمسكه ويعتمد عليه . قال ابن دريد : عمدت الشيء : أسندته . والشيء الذي يسند إليه عماد ، وجمع العماد عمد . ويقال عمود وعمد . والعمود من خشب أو حديد ، والجمع أعمدة; ويكون ذلك في عمد الخباء . ويقال لأصحاب الأخبية الذين لا ينزلون غيرها : هم أهل عمود ، وأهل عماد .

[ ص: 138 ] قال الخليل : وعمود السنان : متوسط من شفرتيه من أصله ، وهو الذي فيه خط العير . ويقال لرجلي الظليم : عمودان . وعمود الأمر : قوامه الذي لا يستقيم إلا به . وعميد القوم : سيدهم ومعتمدهم الذي يعتمدونه إذا حزبهم [ أمر ] فزعوا إليه . وعمود الأذن : معظمها وقوامها الذي ثبتت إليه . فأما قولهم للمريض عميد ، فقال أهل اللغة : العميد : الرجل المعمود ، الذي لا يستطيع الجلوس من مرضه حتى يعمد من جوانبه بالوسائد . قالوا : ومنه اشتق القلب العميد ، وهو المعمود المشعوف الذي هده العشق وكسره ، وصار كالشيء عمد بشيء . قال الأخطل :


بانت سعاد فنوم العين تسهيد 206 والقلب مكتئب حران معمود



ويقال : عميد ، ومعمود ، ومعمد . قال الخليل : العمد : أن تكابد أمرا بجد ويقين . تقول : فعلت ذلك عمدا وعمد عين ، وتعمدت له وفعلته معتمدا ، أي متعمدا .

ومن الباب : السنام العمد [ عمد ] يعمد عمدا . وهذا محمول على ما ذكرناه من قولهم : قلب عميد ومعمود ، وذلك السنام إذا كان ضخما واريا فحمل عليه فكسر ومات فيه شحمه فلا يستوي أبدا - والواري : السمين - كما يعمد الجرح إذا عصر قبل أن تنضج بيضته فيرم ، وبعير عمد ، وناقة عمدة ، وسنامها عمد .

[ ص: 139 ] فأما قوله - تعالى - : في عمد ممددة ، أي في شبه أخبية من نار ممدودة . وقال بعضهم : في عمد وقرئت " في عمد " وهو جمع عماد .

وقال المبرد : رجل معمد ، أي طويل . والعماد : الطول . قال الله - تعالى - : إرم ذات العماد ، أي ذات الطول . وفي الحديث : هو رفيع العماد ، طويل النجاد . قال أبو عبيد : عمدت الشيء : أقمته ، فهو معمود . وأعمدته بالألف إعمادا ، أي جعلت تحته عمدا . ومن الباب : العمد ، الدال شديدة والعين والميم مضمومتان : الشاب الممتلئ شبابا . وهو العمداني ، والجمع العمدانيون . وامرأة عمدانية ، أي ذات جسم وعبالة . ومن الباب العمود : عرق الكبد الذي يسقيها . ويقال للوتين : عمود السحر . قال : وعمود البطن : شبه عرق ممدود من لدن الرهابة إلى دوين السرة في وسطه يشق عن بطن الشاة . ويقولون أيضا : إن عمودا البطن : الظهر والصلب; وإنما قيل عمودا البطن لأن كل واحد منهما معتمد على الآخر .

ومن الباب : ثرى عمد ، وذلك إذا بلته الأمطار . قال :


وهل أحطبن القوم وهي عرية     أصول ألاء في ثرى عمد جعد

قال أبو زيد : عمدت الأرض عمدا ، أي رسخ فيها المطر إلى الثرى حتى إذا قبضت عليه تعقد في كفك وجعد . ويقولون : الزم عمدتك ، أي قصدك .

قد مضى هذا الباب على استقامة في أصوله وفروعه ، وبقيت كلمة ، أما نحن فلا ندري ما معناها ، ومن أي شيء مأخذها ، وفيما أحسب إنها من الكلام الذي [ ص: 140 ] درج بذهاب من كان يحسنه ، وذلك قولهم : إن أبا جهل لما صرع قال : " أعمد من سيد قتله قومه " ، والحديث مشهور . فأما معناه فقالوا : أراد : هل زاد على سيد قتله قومه ؟ ومعلوم أن هذه اللفظة لا تدل على التفسير ولا تقاربه ، فلست أدري كيف هي . وأنشدوا لابن ميادة :


وأعمد من قوم كفاهم أخوهم     صدام الأعادي حين فلت نيوبها



قالوا : معناه هل زدنا على أن كفينا إخوتنا . فهذا ما قيل في ذلك . وحكي عن النضر أن معناها أعجب من سيد قتله قومه . قال : والعرب تقول : أنا أعمد من كذا ، أي أعجب منه . وهذا أبعد من الأول . والله أعلم كيف هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية