صفحة جزء
( عنق ) العين والنون والقاف أصل واحد صحيح يدل على امتداد في شيء ، إما في ارتفاع وإما في انسياح .

فالأول العنق ، وهو وصلة ما بين الرأس والجسد ، مذكر ومؤنث ، وجمعه أعناق . ورجل أعنق ، أي طويل العنق . وجبل أعنق : مشرف . ونجد أعنق ، وهضبة عنقاء . وامرأة عنقاء : طويلة العنق . وهضبة معنقة أيضا . قال :


عيطاء معنقة يكون أنيسها ورق الحمام جميمها لم يؤكل



قال الأصمعي : المعنقات مثل المعنقات . قال عمر بن لجأ :

ومن هضب الأروم معنقات

قال أبو عمرو : المعنق : الطويل . وأنشد :


في تامك مثل النقا المعنق



قال أبو عمرو : العنقاء فيما يقال : طائر لم يبق إلا اسمه . وسميت عنقاء لبياض كان في عنقها وفي المثل لما لا يوجد : " طارت به العنقاء " . فأما قولهم للجماعة عنق ، فقياسه صحيح ، لأنه شيء يتصل بعضه ببعض . قال الله - تعالى - : فظلت أعناقهم لها خاضعين ، أي جماعتهم . ألا ترى أنه قال : خاضعين ، ولو كانت الأعناق أنفسها لقال خاضعة أو خاضعات . وإلى هذا ذهب أبو زيد . وقال النحويون : لما كانت الأعناق مضافة إليهم رد الفعل إليهم دونها .

قال محمد بن يزيد : لما كان خضوع أهلها بخضوع أعناقهم أخبر عنهم ، لأن [ ص: 160 ] المعنى راجع إليهم . والعرب تقول : ذلت عنقي لفلان ، وخضعت رقبتي له ، أي خضعت له ، وذلك كما قالوا في ضده : لوى عنقه عني ولم تلن لي أخادعه ، أي لم يخضع لي ولم ينقد .

قال الدريدي : أعنقت الكلب أعنقه إعناقا ، إذا جعلت في عنقه قلادة أو وترا

والمعنقة : معنقة الكلب ، وهي قلادته . ويقال لما سطع من الرياح : أعناق الرياح . ويقولون : أعنقت الريح بالتراب . قال الخليل : اعتنقت الدابة في الوحل ، إذا أخرجت عنقها . قال رؤبة :


خارجة أعناقها من معتنق



المعتنق : مخرج أعناق الجبال من السراب ، أي اعتنقت فأخرجت أعناقها .

والاعتناق من المعانقة أيضا ، غير أن المعانقة في المودة ، والاعتناق في الحرب ونحوها . تقول اعتنقوا في الحرب ، ولا تقول تعانقوا . والقياس واحد ، غير أنهم اختاروا الاعتناق في الحرب ، والمعانقة في المودة ونحوها . فإذا خصصت بالفعل واحدا دون الآخر لم تقل إلا عانق فلان فلانا . وقد يقال للواحد اعتنق . قال زهير :


يطعنهم ما ارتموا حتى إذا اطعنوا     ضارب حتى إذا ما ضاربوا اعتنقا



[ ص: 161 ] قال يونس بن حبيب : عنقت البعير ، إذا ضربت عنقه ، كما يقال رأسته . قال الخليل : يقال تعنق الأرنب في العانقاء ، وهو جحر مملوء ترابا رخوا يكون للأرنب واليربوع إذا خافا . وربما دخل ذلك التراب ، فيقال : تعنق; لأنه يدس رأسه وعنقه فيه ويمضي حتى يصير تحته .

قال ابن الأعرابي : العانقاء : تراب لغيزى اليربوع وتراب مجراه . ولغيزاه : حفراه في جانبي الجحر . قال قطرب : عنق الرحم : ما استدق منها مما يلي الحياء . قال أبو حاتم : عنق الكرش : أسفلها . قال : والعنق والقبة شيء واحد . ويقال : عنقت كوافير النخل ، إذا طالت ولم تفلق ، وهو التعنيق . يقال بسرة معنقة ، إذا بقي منها حول القمع مثل الخاتم ، وذلك إذا بلغ الترطيب قريبا من قمعها . والأعنق : رجل من العرب ، وهو قيس بن الحارث بن همام ، وسميه لطول عنقه . وينسب إليه قوم يقال لهم بنو الأعنق ، وهم بطن من وائل بن قاسط . وقوم آخرون من اليمن يقال لهم بنو العنقاء . قال الخليل : العنقاء ثعلبة بن عمرو بن مالك ، من خزاعة ، قال قوم : سميه لطول عنقه ، وذهب بلفظه إلى تأنيث العنق . كقولهم :


وعنترة الفلحاء



[ ص: 162 ] أنثه لما ذهب إلى الشفة . وقال :


أو العنقاء ثعلبة بن عمرو     دماء القوم للكلبى شفاء



قال قطرب : تقول العرب في الشيء لا يفارق : هو منك عنق الحمامة ، يريد طوقها لأنه لا يفارق أبدا .

ومن الباب : العنق من سير الدواب ، والنعت معناق وعنيق . يقال برذون عنيق ، وسير عنيق . قال :


لما رأتني عنقى دبيب     وقد أرى وعنقى سرحوب



قال أبو عبيدة : العنق : المسبطر من السير . وهذا هو الذي ذكرناه في أصل الباب : أن الباب موضوع على الامتداد . قال ابن السكيت : أعنق الفرس يعنق إعناقا ، وهو المشي الخفيف . وبرذون معناق . وفي المثل : " لألحقن قطوفها بالمعناق " . قال أبو حاتم : المعناق من الإبل : الخفيفة تريد المرتع ولا ترتع . ويقال المعانيق من الإبل : التي لا تقنع بالمرتع نكدا منها وقلة خير ، لا يزال راعيها في تعب . ومعنى هذا أنها تمد أبدا أعناقها لما بين أيديها . وأنشد :


وهو بحمد الله يكفيني العمل     السقي و الرعية والمشي المئل



وطلب الذود المعانيق الأول

قال بعض أهل اللغة : أعنقت : ماجت في مراعيها فلم ترتع لطلب كلأ آخر . قال ابن الأعرابي في قول ابن أحمر :

[ ص: 163 ]

تظل بنات أعنق مسرجات     لرؤيتها يرحن ويغتدينا



قال يريد ببنات أعنق : كل دابة أعنقت ، من فرس أو بعير ، وإنما يصف درة . يقول : تظل الدواب مسرجة في طلبها والنظر إليها . فأما العنقاء ، فيقال هي الداهية ، وسميت بذلك تقبيحا وتهويلا ، كأنها شيء طويل العنق . قال :


يحملن عنقاء وعنقفيرا     والدلو والديلم والزفيرا

ويقال إن المعنق مضن جلد الأرض : ما صلب وارتفع وما حواليه سهل ، وهو منقاد طولا نحو ميل وأقل من ذلك ، والجمع معانق .

ومن الباب العناق : الأنثى من أولاد المعز ، والجمع عنوق . قال جميل :


إذا مرضت منها عناق رأيته     بسكينه من حولها يتلهف



ويقال للرجل إذا تحول من الرفعة إلى الدناءة : " العنوق بعد النوق " ، أي صرت راعيا للعنوق بعدما كنت راعيا للنوق . قال ابن الأعرابي : العناق من حين تلقيها أمها حتى تجذع بعد فطامها بشهرين ، وهي ابنة خمسة أشهر . قال أبو عبيدة : العناق يقع على الأنثى من أولاد الغنم ، ما بين أن تولد إلى أن يأتي عليها الحول وتصير عنزا . وشاة معناق ، إذا كانت تلد العنوق . وأنشد :


عتيقة من غنم عتاق     مرغوسة مأمورة معناق



[ ص: 164 ] وعناق الأرض : شيء أصغر من الفهد . فأما قولهم للخيبة عناق ، فليس بأصل على ما ذكرنا . ووجه ذلك عندنا أن العرب ربما لقبت بعض الأشياء بلقب يكنون به عن الشيء ، كما يلقبون الغدر كيسان ، وما أشبه هذا . فلذلك كنوا عن الخيبة بالعناق . وربما قالوا العناقة بالهاء . قال :

لم ينالوا إلا العناقة منا بئس أوس المطالب الجواب

الأوس : العطية والعوض . يقال : أسته أوسا . وقال آخر في العناق :


أمن ترجيع قارية قتلتم     أساراكم وأبتم بالعناق



وعلى هذا أيضا يحمل ما حكاه ابن السكيت ، أن العناق الداهية . وأنشد :


إذا تمطين على القياقي     لاقين منه أذني عناق



فأما الذي يروونه من قولهم : ماؤكم هذا عناق الأرض ، وإنه ماء الكذب ، والحديث الذي ذكر فيه ، فمما تكثر به الحكايات ، وتحشى به الكتب ، ولا معنى له ، ولا فائدة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية