صفحة جزء
( عهد ) العين والهاء والدال أصل هذا الباب عندنا دال على معنى واحد ، قد أومأ إليه الخليل . قال : أصله الاحتفاظ بالشيء وإحداث العهد به . والذي ذكره من الاحتفاظ هو المعنى الذي يرجع إليه فروع الباب . فمن ذلك قولهم عهد الرجل يعهد عهدا ، وهو من الوصية . وإنما سميت بذلك لأن العهد مما ينبغي الاحتفاظ به . ومنه اشتقاق العهد الذي يكتب للولاة من الوصية ، وجمعه عهود . والعهد : الموثق ، وجمعه عهود . ومن الباب العهد الذي معناه الالتقاء والإلمام ، يقال : هو قريب العهد به ، وذلك أن إلمامه به احتفاظ به وإقبال .

[ ص: 168 ] [ و ] العهيد : الشيء الذي قدم عهده . والعهد : المنزل الذي لا يزال القوم إذا انتووا عنه يرجعون إليه . قال رؤبة :


هل تعرف العهد المحيل أرسمه عفت عوافيه وطال قدمه



والمعهد مثل ذلك ، وجمعه معاهد . وأهل العهد هم المعاهدون ، والمصدر المعاهدة ، أي إنهم يعاهدون على ما عليهم من جزية . والقياس واحد ، كأنه أمر يحتفظ به لهم ، فإذا أسلموا ذهب عنهم اسم المعاهدة . وذكر الخليل أن الاعتهاد مثل التعاهد والتعهد ، وأنشد للطرماح :


ويضيع الذي قد أوجبه     الله عليه فليس يتعهده



وقال أيضا : عهيدك : الذي يعاهدك وتعاهده . وأنشد :


فللترك أوفى من نزار بعهدها     فلا يأمنن الغدر يوما عهيدها



ومن الباب : العهدة : الكتاب الذي يستوثق به في البيعات . ويقولون : إن في هذا الأمر لعهدة ما أحكمت ، والمعنى أنه قد بقي فيه ما ينبغي التوثق له . ومن الباب قولهم : " الملسى لا عهدة " ، يقوله المتبايعان ، أي تملسنا عن إحكام فلم يبق في الأمر ما يحتاج إلى تعهد بإحكام . ويقولون : " في أمره عهدة " ، يومئون إلى الضعف ، وإنما يريدون بذلك ما قد فسرناه .

[ ص: 169 ] قال الخليل : تعهد فلان الشيء وتعاهد . قال أبو حاتم : تعهدت ضيعتي ، ولا يقال تعاهدت; لأن التعاهد لا يكون إلا من اثنين . قلنا : والخليل على كل حال أعرف بكلام العرب من النضر . على أنه يقال قد تغافل عن كذا ، وتجاوز عن كذا ، وليس هذا من اثنين . وربما سموا الاشتراط استعهادا ، وإنما سمي كذا لأن الشرط مما ينبغي الاحتفاظ به إذا شرط . قال :


وما استعهد الأقوام من زوج حرة     من الناس إلا منك أو من محارب



وفي كتاب الله - تعالى : ألم أعهد إليكم ، ومعناه والله أعلم : ألم أقدم إليكم من الأمر الذي أوجبت عليكم الاحتفاظ به .

فهذا الذي ذكرناه من أول الباب إلى حيث انتهينا مطرد في القياس الذي قسناه . وبقي في الباب : العهد من المطر ، وهو عندنا من القياس الذي ذكرناه ، وذلك أن العهد على ما ذكره الخليل ، هو من المطر الذي يأتي بعد الوسمي ، وهو الذي يسميه الناس الولي . وإذا كان كذا كان قياسه قياس قولنا : هو يتعهد أمره وضيعته ، كأن المطر وسم الأرض أولا وتعهدها ثانيا ، أي احتفظ بها فأتاها [ ص: 170 ] وأقبل عليها . قال الخليل : وذلك أن يمضي الوسمي ثم يردفه الربيع بمطر بعد مطر ، يدرك آخره بلل أوله ودموثته . قال : وهو العهد ، والجمع عهاد . وقال : ويقال : كل مطر يكون بعد مطر فهو عهاد . وعهدت الروضة ، وهذه روضة معهودة : أصابها عهاد من مطر . قال الطرماح :


عقائل رملة نازعن منها     دفوف أقاح معهود ودين



المعهود : الممطور . وأنشد ابن الأعرابي :


ترى السحاب العهد والفتوحا



الفتوح : جمع فتح ، وهو المطر الواسع . وقال غير هؤلاء : العهاد : أول الربيع قبل أن يشتد القر ، الواحدة عهدة . وكان بعض العرب يقول : العهاد من الوسمي ، وأوائل الأمطار يكون ذخرا في الأرض ، تضرب لها العروق ، وتسبط الأرض بالخضرة ، فإن كانت لها أولية وتبعات فهي الحياء ، وإلا فليست بشيء .

ويقولون : كان ذلك على عهد فلان وعهدانه . وأنشدوا :


لست سليمان كعهدانك



التالي السابق


الخدمات العلمية