صفحة جزء
[ ص: 283 ] ( عرق ) العين والراء والقاف أربعة أصول صحيحة : أحدها الشيء يتولد من شيء كالندى والرشح وما أشبهه . والآخر الشيء ذو السنخ ، فسنخه منقاس من هذا الباب . والثالث كشط شيء عن شيء ، ولا يكاد يكون إلا في اللحم . والرابع اصطفاف وتتابع في أشياء . ثم يشتق من جميع هذه الأصول وما يقاربها .

فالأول العرق ، وهو ما جرى في أصول الشعر من ماء الجلد . تقول : عرق يعرق عرقا . قال : ولم أسمع للعرق جمعا ، فإن جمع فقياسه أعراق ، كجمل وأجمال . ورجل عرقة : كثير العرق . ويقال : استعرق ، إذا تعرض للحر كي يعرق .

ومن الباب : جرى الفرس عرقا أو عرقين ، أي طلقا أو طلقين . وذلك من العرق . ويقال : عرق فرسك ، أي أجره حتى يتعرق . قال الأعشى :


يعالى عليه الجل كل عشية ويرفع نقلا بالضحى ويعرق



ويقال : اللبن عرق يتحلب في العروق حتى ينتهي إلى الضرع . قال الشماخ :


تضح وقد ضمنت ضراتها عرقا     من طيب الطعم حلو غير مجهود



ولبن عرق ، وهو أن يجعل في سقاء فيشد بجنب البعير فيصيبه العرق [ ص: 284 ] فيفسد . وأما عرق القربة في قوله : " جشمت إليك عرق القربة " فمعناه فيما زعم يونس : عطية القربة ، وهو ماؤها ، كأنه يقول : جشمت إليك حتى سافرت واحتجت إلى عرق القربة في الأسفار ، وهو ماؤها . ويقال : عرق له بكذا ، كأنه تندى له وسمح . قال :


سأجعله مكان النون مني     وما أعطيته عرق الخلال



يقول : لم أعطه عطية مودة ، لكنه أخذته قسرا . والنون : السيف . وقال بعضهم : جشمت إليك حتى عرقت كعرق القربة ، وهو سيلان مائها . وقال قوم : عرق القربة أن يقول : تكلفت لك ما لا يبلغه أحد حتى تجشمت ما لا يكون ; لأن القربة لا تعرق ، يذهب إلى مثل قولهم : " حتى يشيب الغراب " . وكان الأصمعي يقول : عرق القربة كلمة تدل على الشدة ، وما أدري ما أصلها وقال ابن أبي طرفة : يقال لقيت من فلان عرق القربة ، أي الشدة . قال : وأنشد الأحمر :


ليست بمشتمة تعد وعفوها     عرق السقاء على القعود اللاغب



يمدح رجلا يسمع الكلمة الشديدة فلا يأخذ صاحبها بها .

[ ص: 285 ] ومن الباب : عرقت في الدلو ، وذلك إذا كان دون الملء ، كأن هذا لقلته شبه بالعرق . ويقال للمعطي اليسير : عرق . قال :


لا تملأ الدلو وعرق فيها     أما ترى حبار من يسقيها



ويقال : كأس معرقة ، إذا لم تكن مملوءة ، قد بقيت منها بقية . وخمر معرقة ، أي ممزوجة مزجا خفيفا ، شبه ذلك المزج اليسير بالعرق . وقال في المعرق القليل المزج :


أخذت برأسه فدفعت عنه     بمعرقة ملامة من يلوم



والأصل الثاني السنخ المتشعب . من ذلك العرق عرق الشجرة . وعروق كل شيء : أطناب تنشعب من أصوله . وتقول العرب : " استأصل الله عرقاتهم " زعموا أن التاء مفتوحة ، ثم اختلفوا في معناه ، فقال قوم : أرادوا واحدة وأخرجها مخرج سعلاة . وقال آخرون : بل هي تاء جماعة المؤنث لكنهم خففوه بالفتحة ويقال : أعرقت الشجرة ، إذا ضربت عروقها فامتدت في الأرض .

ومن هذا الباب : عرق الرجل يعرق عروقا ، إذا ذهب في الأرض . وهذا تشبيه ، شبه ذهابه بامتداد عروق الشجرة وذهابها في الأرض .

فأما قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - : من أحيا أرضا ميتة فهي له ، وليس لعرق ظالم حق [ ص: 286 ] فهو مثل . قال العلماء : العروق أربعة : عرقان ظاهران ، وعرقان باطنان . فالظاهران : الغرس والبناء ، والباطنان البئر والمعدن . ومعنى العرق الظالم أن يجيء الرجل إلى أرض قد أحياها رجل قبله فيغرس فيها غرسا أو يحدث شيئا يستوجب به الأرض .

والعرق : نبات أصفر . ومن أمثالهم : " فلان معرق [ له ] في الكرم " ، أي له فيه أصل وسنخ . وقد عرق فيه أعمامه وأخواله تعريقا ، وأعرقوا فيه أعراقا . وقد أعرق فيه أعراق العبيد ، إذا خالطه ذلك وتخلق بأخلاقهم . ويقال : تداركه أعراق خير وأعراق شر . قال الشاعر :


جرى طلقا حتى إذا قيل     سابق تداركه إعراق سوء فبلدا



والعريق من الخيل والناس : الذي له عرق في الكرم . وفلان يعارق

فلانا ، أي يفاخره ، ومعناه أن يقول : إننا أكرم عرقا . ويقال : " عرق في بنات صعدة " وهي الحمر الأهلية . وقول عكراش بن ذؤيب : " أتيته بإبل كأنها عروق الأرطى " أراد أنها حمر ، لأن عروق الأرطى حمر ، وحمر الإبل كرائمها . قال :


يثير ويبدي عن عروق كأنها     أعنة جراز تحط وتبشر



وصف ثورا يحفر كناسا تحت أرطى .

والأصل الثالث كشط اللحم عن العظم . قال الخليل : العراق : العظم الذي قد أخذ عنه اللحم . قال :


فألق لكلبك منه عراقا



[ ص: 287 ] فإذا كان العظم بلحمه فهو عرق . ويقال : العراق جمع عرق ، كما يقال ظئر وظؤار . ويقال في المثل : " هو ألأم من كلب على عرق " . قال ابن الأعرابي : جمع عرق عراق . وأنشد :


يبيت ضيفي في عراق ملس     وفي شمول عرضت للنحس



ملس ، يعني الودك والشحم . والنحس : الريح . يقال : عرقت العظم وأنا أعرقه ، واعترقته وتعرقته ، إذا أكلت ما عليه [ من ] اللحم . ويقال : أعطني عرقا أتعرقه ، أي عظما عليه اللحم . وفلان معترق ، أي مهزول ، كأن لحمه قد اعترق . قال :


غول تصدى لسبنتى معترق



وقال :


قد أشهد الغارة الشعواء تحملني     جرداء معروقة اللحيين سرحوب



يصف الفرس بقلة اللحم على وجهه ، وذلك أكرم له . قال الكسائي : فم معرق : قليل الريق . ووجه معروق : قليل اللحم .

والأصل الرابع : الامتداد والتتابع في أشياء يتبع بعضها بعضا . من ذلك [ ص: 288 ] العرقة ، والجمع عرقات ، وذلك كل شيء مضفور أو مصطف . وإذا اصطفت الطير في الهواء فهي عرقة ، وكذلك الخيل . قال طفيل :


كأنه بعد ما صدرن من عرق     سيد تمطر جنح الليل مبلول



والعرقة : السفيفة المنسوجة من الخوص قبل أن يجعل منها زبيل . وسمي الزبيل عرقا لذلك . ويقال عرقة أيضا . قال أبو كبير :


نغدو فنترك في المزاحف من ثوى     ونمر في العرقات من لم يقتل



يعني نأسرهم فنشدهم في العرقات ، وهي النسوع .

ويقال لآثار الخيل المصطفة عرقة . والعرقة : طرة تنسج ثم تخاط على شقة ، الشقة التي للبيت . وقال ابن الأعرابي : العرقة : جماعة من الخيل والإبل القائمة على سطر . فأما عراق المزادة والراوية فهو الخرز الذي في أسفلها ، والجمع عرق . وذلك عندنا مما ذكرناه من الامتداد والتتابع . قال ابن أحمر :


من ذي عراق نيط في جوزها     فهو لطيف طيه مضطمر



وقال آخر :


تضحك عن مثل عراق الشنه



ومن هذا الباب : العراق ، وهو عند الخليل شاطئ البحر . وسميت العراق [ ص: 289 ] عراقا لأنه على شاطئ دجلة والفرات عداء حتى يتصل بالبحر . والعراق في كلام العرب : شاطئ البحر على طوله .

ومن هذا الباب : العراق ، وهو ما أحاط بالظفر من اللحم . قال الدريدي : " سميت العراق لأنها استكفت أرض العرب " ، أي صارت كالكفاف لها . وذكر عن أبي عمرو بن العلاء أن العراق مأخوذ من عروق الشجر ، وهي منابت الشجر . والعراقان : الكوفة والبصرة . وقال الأصمعي : العراق كل موضع ريف . قال جرير :


نهوى ثرى العرق إذ لم نلق بعدكم     كالعرق عرقا ولا السلان سلانا



ويقال : أعرق الرجل وأشأم ، أي أتى العراق والشام . قال الممزق :


فإن تنجدوا أتهم خلافا عليكم     وإن تعمنوا مستحقبي الشر أعرق



وأما عرقوة الدلو فالخشبة المعروضة عليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية