صفحة جزء
( حمر ) الحاء والميم والراء أصل واحد عندي ، وهو من الذي يعرف بالحمرة . وقد يجوز أن يجعل أصلين : أحدهما هذا ، والآخر جنس من الدواب .

فالأول الحمرة في الألوان ، وهي معروفة . والعرب تقول : " الحسن أحمر " يقال ذلك لأن النفوس كلها لا تكاد تكره الحمرة . وتقول رجل أحمر ، وأحامر فإن أردت اللون قلت أحمر . وحجة الأحامرة قول الأعشى :


إن الأحامرة الثلاثة أهلكت مالي وكنت بهن قدما مولعا

ذهب بالأحامرة مذهب الأسماء ، ولم يذهب بها مذهب الصفات . ولو ذهب بها مذهب الصفات لقال حمر . والحمراء : العجم ، سموا بذلك لأن الشقرة أغلب الألوان عليهم . ومن ذلك قولهم لعلي رضي الله عنه : " غلبتنا عليك هذه الحمراء " . ويقال موت أحمر ، وذلك إذا وصف بالشدة . وقال علي : " كنا إذا احمر البأس اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يكن أحد منا أقرب إلى العدو منه " .

ومن الباب قولهم : وطأة حمراء ; وذلك إذا كانت جديدة ; ووطأة دهماء ، إذا كانت قديمة دارسة . ويقال سنة حمراء شديدة ، ولذلك يقال لشدة القيظ حمارة . وإنما قيل هذا لأن أعجب الألوان إليهم الحمرة . إذا كان كذا وبالغوا في وصف شيء ذكروه بالحمرة ، أو بلفظة تشبه الحمرة .

فأما قولهم للذي لا سلاح معه أحمر ، فممكن [ أن يكون ] ذلك تشبيها له [ ص: 102 ] بالعجم ، وليست فيهم شجاعة مذكورة كشجاعة العرب . وقال :


وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر

الضياطرة : جمع ضيطار ، وهو الجبان العظيم الخلق ، الذي لا يحسن حمل السلاح . قال :


تعرض ضيطارو فعالة دوننا     وما خير ضيطار يقلب مسطحا

وقولهم غيث حمر ، إذا كان شديدا يقشر الأرض . وهو من هذا الذي ذكرناه من باب المبالغة .

وأما الأصل الثاني فالحمار معروف ، يقال حمار وحمير وحمر وحمرات ، كما يقال صعيد وصعد وصعدات . قال :


إذا غرد المكاء في غير روضة     فويل لأهل الشاء والحمرات

يقول : إذا أجدب الزمان ولم تكن روضة فغرد في غير روضة ، فويل لأهل الشاء والحمرات .

ومما يحمل على هذا الباب قولهم لدويبة : حمار قبان . قال :


يا عجبا لقد رأيت عجبا     حمار قبان يسوق أرنبا

ومنه الحمار ، وهو شيء يجعل حول الحوض لئلا يسيل ماؤه ، والجمع حمائر . قال الشاعر :

[ ص: 103 ]

ومبلد بين موماة بمهلكة     جاوزته بعلاة الخلق عليان
كأنما الشحط في أعلى حمائره     سبائب الريط من قز وكتان

وأما قولهم للفرس الهجين محمر فهو من الباب . [ ومن الباب ] الحماران ، وهما حجران يجفف عليهما الأقط ، يسميان مع الذي فوقهما العلاة . قال :


لا تنفع الشاوي فيهما شاته     ولا حماراه ولا علاته

والحمارة : حجارة تنصب حول البيت ، والجمع حمائر . قال :


بيت حتوف أردحت حمائره

وأما قولهم : " أخلى من جوف حمار " فقد ذكر حديثه في كتاب حرف العين .

التالي السابق


الخدمات العلمية