صفحة جزء
ذكر صفة محمد والأخبار بقتله

كان محمد أسمر شديد السمرة ، وكان منصور يسميه محمما ، وكان سمينا شجاعا كثير الصوم والصلاة ، شديد القوة ، وكان يخطب على المنبر فاعترض في حلقه بلغم ، فتنحنح فذهب ، ثم عاد فتنحنح فذهب ، ثم عاد فتنحنح فنظر ، فلم ير موضعا يبصق فيه ، فرمى بنخامته في سقف المسجد فألصقها فيه .

وسئل جعفر الصادق عن أمر محمد ، فقال : فتنة يقتل فيها محمد ، ويقتل أخوه لأبيه وأمه بالعراق ، وحوافر فرسه في ماء .

فلما قتل محمد قبض عيسى أموال بني الحسن كلها وأموال جعفر ، فلقي جعفر المنصور فقال له : رد علي قطيعتي من أبي زياد . قال : إياي تكلم بهذا ؟ والله لأزهقن نفسك ! قال : فلا تعجل علي ، قد بلغت ثلاثا وستين سنة وفيها مات أبي وجدي وعلي بن أبي طالب ، وعلي كذا وكذا إن ربتك بشيء ، وإن بقيت بعدك إن ربت الذي يقوم بعدك . فرق له المنصور ، ولم يرد عليه قطيعته ، فردها المهدي على ولده .

وقال محمد لعبد الله بن عامر الأسلمي : تغشانا سحابة فإن أمطرتنا ظفرنا ، وإن تجاوزتنا إليهم فانظر إلى دمي عند أحجار الزيت . قال : فوالله لقد أظلتنا سحابة فلم [ ص: 130 ] تمطرنا ، وتجاوزنا إلى عيسى وأصحابه فظفروا وقتلوا محمدا ، ورأيت دمه عند أحجار الزيت .

( وكان قتله يوم الإثنين لأربع عشرة خلت من رمضان سنة خمس وأربعين ومائة ) .

وكان يلقب المهدي والنفس الزكية .

ومما رثي به هو وأخوه قول عبد الله بن مصعب بن ثابت :


يا صاحبي دعا الملامة واعلما أن لست في هذا بألوم منكما     وقفا بقبر للنبي فسلما
لا بأس أن تقفا به وتسلما     قبر تضمن خير أهل زمانه
حسبا وطيب سجية وتكرما     رجل نفى بالعدل جور بلادنا
وعفا عظيمات الأمور وأنعما     لم يجتنب قصد السبيل ولم يجر
عنه ولم يفتح بفاحشة فما     لو أعظم الحدثان شيئا قبله
( بعد النبي به لكنت المعظما     أو كان أمتع بالسلامة قبله
) أحدا لكان قصاره أن يسلما     ضحوا بإبراهيم خير ضحية
فتصرمت أيامه فتصرما     بطلا يخوض بنفسه غمراته
لا طائشا رعشا ولا مستسلما     حتى مضت فيه السيوف وربما
كانت حتوفهم السيوف وربما     أضحى بنو حسن أبيح حريمهم
فينا وأصبح نهبهم متقسما     ونساؤهم في دورهن نوائح
سجع الحمام إذا الحمام ترنما     يتوصلون بقتله ويرونه
شرفا لهم عند الإمام ومغنما     والله لو شهد النبي محمد
صلى الإله على النبي وسلما [ ص: 131 ]     إشراع أمته الأسنة لابنه
حتى تقطر من ظباتهم دما     حتى لأيقن أنهم قد ضيعوا
تلك القرابة واستحلوا المحرما

.

ولما قتل محمد قام عيسى بالمدينة أياما ثم سار عنها صبح تسع عشرة خلت من رمضان يريد مكة معتمرا ، واستخلف على المدينة كثير بن حصين ، فأقام بها شهرا ثم استعمل المنصور عليها عبد الله بن الربيع الحارثي .

التالي السابق


الخدمات العلمية