[ ص: 135 ] ذكر 
ظهور  إبراهيم بن عبد الله بن الحسن  أخي  محمد  
فيها كان ظهور  
إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب  ، وهو أخو  
محمد  ، المقدم ذكره ، وكان قبل ظهوره قد طلب أشد الطلب ، فحكت جارية له أنه لم تقرهم أرض خمس سنين ، مرة 
بفارس  ، ومرة 
بكرمان  ، ومرة 
بالجبل  ، ومرة 
بالحجاز  ، ومرة 
باليمن  ، ومرة 
بالشام    . 
ثم إنه قدم 
الموصل  ، وقدمها  
المنصور  في طلبه ، فحكى  
إبراهيم  قال : اضطرني الطلب 
بالموصل  حتى جلست على مائدة  
المنصور  ثم خرجت وقد كف الطلب ، وكان قوم من أهل العسكر يتشيعون فكتبوا إلى  
إبراهيم  يسألونه القدوم إليهم ليثبوا  
بالمنصور  ، فقدم عسكر  
أبي جعفر  وهو 
ببغداذ  وقد خطها . 
وكانت له مرآة ينظر فيها فيرى عدوه من صديقه ، فنظر فيها فقال : يا  
مسيب  قد رأيت  
إبراهيم  في عسكري وما في الأرض أعدى لي منه ، فانظر أي رجل يكون . 
ثم إن  
المنصور  أمر ببناء 
قنطرة الصراة  العتيقة ، فخرج  
إبراهيم  ينظر إليها مع الناس ، فوقعت عليه عين  
المنصور  ، فخنس  
إبراهيم  ، وذهب في الناس ، فأتى فاميا فلجأ إليه ، فأصعده غرفة له ، وجد  
المنصور  في طلبه ، ووضع الرصدة بكل مكان ، فنشب  
إبراهيم  مكانه ، فقال له صاحبه  
سفيان بن حيان القمي     : قد نزل بنا ما ترى ولا بد من المخاطرة . 
قال : فأنت وذاك . فأقبل  
سفيان  إلى  
الربيع  ، فسأله الإذن على  
المنصور  ، فأدخله عليه ، فلما رآه شتمه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أنا أهل لما تقول ، غير أني أتيتك تائبا ولك عندي كل ما تحب ، وأنا آتيك  
بإبراهيم بن عبد الله  ، إني قد بلوتهم فلم أجد فيهم خيرا ، فاكتب لي جوازا ولغلام معي يحملني على البريد ووجه معي جندا . 
فكتب له جوازا ودفع إليه جندا وقال : هذه ألف دينار فاستعن بها . قال : لا حاجة لي فيها ، وأخذ منها ثلاثمائة دينار ، وأقبل والجند معه فدخل البيت ، وعلى  
إبراهيم  جبة صوف وقباء كأقبية الغلمان ، فصاح به ، فوثب وجعل يأمره وينهاه ، وسار على البريد . 
وقيل : لم يركب البريد . 
وسار حتى قدم 
المدائن  ، فمنعه صاحب القنطرة بها ، فدفع جوازه إليه ، فلما جازها   
[ ص: 136 ] قال له الموكل بالقنطرة : ما هذا غلام ، وإنه  
لإبراهيم بن عبد الله  ، اذهب راشدا ، فأطلقهما ، فركبا سفينة حتى قدما 
البصرة  ، فجعل يأتي بالجند الدار لها بابان فيقعد البعض منهم على أحد البابين ويقول : لا تبرحوا حتى آتيكم ، فيخرج من الباب الآخر ويتركهم ، حتى فرق الجند عن نفسه وبقي وحده . 
وبلغ الخبر  
سفيان بن معاوية  أمير 
البصرة  ، فأرسل إليهم فجمعهم ، وطلب  
القمي  فأعجزه . 
وكان  
إبراهيم  قد قدم 
الأهواز  قبل ذلك واختفى عند  
الحسن بن خبيب  ، وكان  
محمد بن الحصين  يطلبه ، فقال يوما : إن أمير المؤمنين كتب إلي يخبرني أن المنجمين أخبروه أن  
إبراهيم  نازل 
بالأهواز  في جزيرة بين نهرين ، وقد طلبته في الجزيرة وليس هناك ، وقد عزمت أن أطلبه غدا بالمدينة ، لعل أمير المؤمنين يعني بقوله بين نهرين بين 
دجيل  والمسرقان    . 
فرجع  
الحسن بن خبيب  إلى  
إبراهيم  فأخبره وأخرجه إلى ظاهر البلد ، ولم يطلبه  
محمد  ذلك اليوم . 
فلما كان آخر النهار خرج  
الحسن  إلى  
إبراهيم  فأدخله البلد ، وهما على حمارين ، وقت العشاء الآخرة ، فلقيه أوائل خيل  
ابن الحصين  ، فنزل  
إبراهيم  عن حماره كأنه يبول ، فسأل  
ابن الحصين  الحسن بن خبيب  عن مجيئه ، فقال : من عند بعض أهلي . فمضى وتركه . ورجع  
الحسن  إلى  
إبراهيم  ، فأركبه وأدخله إلى منزله ، فقال له  
إبراهيم     : والله لقد بلت دما . قال : فأتيت الموضع فرأيته قد بال دما . 
ثم إن  
إبراهيم  قدم 
البصرة  ، فقيل : قدمها سنة خمس وأربعين بعد ظهور أخيه  
محمد  بالمدينة  ، وقيل : قدمها سنة ثلاث وأربعين ومائة ، وكان الذي أقدمه وتولى كراه ، في قول بعضهم ،  
يحيى بن زياد بن حيان النبطي  ، وأنزله في داره في 
بني ليث    . 
وقيل : نزل في دار  
أبي فروة  ، ودعا الناس إلى بيعة أخيه ، وكان أول من بايعه  
نميلة بن مرة العبشمي  ،  
وعفو الله بن سفيان  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16496وعبد الواحد بن زياد  ،  
وعمرو بن سلمة الهجيمي  ،  
وعبد الله بن يحيى بن حصين الرقاشي  ، وندبوا الناس ، فأجابهم  
المغيرة بن الفزع  وأشباه له . 
وأجابه أيضا  
 nindex.php?page=showalam&ids=16753عيسى بن يونس  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=17104ومعاذ بن معاذ  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16285وعباد بن العوام  ،   
[ ص: 137 ] وإسحاق بن يوسف الأزرق  ،  
ومعاوية بن هشيم بن بشير  ، وجماعة كثيرة من الفقهاء وأهل العلم ، حتى أحصى ديوانه أربعة آلاف . وشهر أمره ، فقالوا له : لو تحولت إلى وسط 
البصرة  أتاك الناس وهم مستريحون . فتحول فنزل 
دار  أبي مروان   مولى 
بني سليم  في مقبرة 
بني يشكر  ، وكان  
سفيان بن معاوية  قد مالأ على أمره . 
ولما ظهر أخوه  
محمد  كتب إليه يأمره بالظهور ، فوجم لذلك واغتم ، فجعل بعض أصحابه يسهل عليه ذلك وقال له : قد اجتمع لك أمرك فتخرج إلى السجن فتكسره من الليل فتصبح وقد اجتمع لك عالم من الناس . وطابت نفسه . 
وكان  
المنصور  بظاهر 
الكوفة  ، كما تقدم ، في قلة من العساكر ، وقد أرسل ثلاثة من القواد إلى  
سفيان بن معاوية  بالبصرة  مددا له ليكونوا عونا له على  
إبراهيم  إن ظهر . فلما أراد  
إبراهيم  الظهور أرسل إلى  
سفيان  فأعلمه ، فجمع القواد عنده . 
وظهر  
إبراهيم  أول شهر رمضان سنة خمس وأربعين ومائة ، فغنم دواب أولئك الجند ، وصلى بالناس الصبح في الجامع ، وقصد
دار الإمارة  وبها  
سفيان  متحصنا في جماعة فحصره ، وطلب  
سفيان  منه الأمان ، فآمنه  
إبراهيم     . 
ودخل الدار ففرشوا له حصيرا ، فهبت الريح فقلبته قبل أن يجلس ، فتطير الناس بذلك ، فقال  
إبراهيم     : إنا لا نتطير . وجلس عليه مقلوبا وحبس القواد وحبس أيضا  
سفيان بن معاوية  في القصر وقيده بقيد خفيف ليعلم  
المنصور  أنه محبوس . 
وبلغ  
جعفرا  ومحمدا  ابني  
 nindex.php?page=showalam&ids=16045سليمان بن علي  ظهور  
إبراهيم  ، فأتيا في ستمائة رجل ، فأرسل إليهما  
إبراهيم المضاء بن القاسم الجزري  في خمسين رجلا ، فهزمهما ، ونادى منادي  
إبراهيم     : لا يتبع مهزوم ولا يذفف على جريح . 
ومضى  
إبراهيم  بنفسه إلى باب 
 nindex.php?page=showalam&ids=15952زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس  ، وإليها ينسب 
الزينبيون  من 
العباسيين  ، فنادى بالأمان وأن لا يعرض لهم أحد ، فصفت له 
البصرة  ، ووجد في بيت مالها ألفي ألف درهم ، فقوي بذلك وفرض لأصحابه لكل رجل خمسين خمسين . 
فلما استقرت له 
البصرة  أرسل  
المغيرة  إلى 
الأهواز  ، فبلغها في مائتي رجل ، وكان بها  
محمد بن الحصين  عاملا  
للمنصور  ، فخرج إليه في أربعة آلاف فالتقوا ، فانهزم  
ابن الحصين  ودخل  
المغيرة  الأهواز    . 
وقيل : إنما وجه  
المغيرة  بعد مسيره إلى 
باخمرى  ، وسير  
إبراهيم  إلى 
فارس  عمرو بن   [ ص: 138 ] شداد  ، فقدمها وبها  
إسماعيل  وعبد الصمد  ابنا  
 nindex.php?page=showalam&ids=16629علي بن عبد الله بن عباس  ، فبلغهما دنو  
عمرو  وهما 
بإصطخر  ، فقصدا 
دارابجرد  فتحصنا بها ، فصارت 
فارس  في يد  
عمرو  ، وأرسل  
إبراهيم  مروان بن سعيد العجلي  في سبعة عشر ألفا إلى 
واسط  ، وبها  
هارون بن حميد الإيادي  من قبل  
المنصور  ، فملكها  
العجلي     . 
وأرسل  
المنصور  لحربه  
عامر بن إسماعيل المسلي  في خمسة آلاف ، وقيل : في عشرين ألفا ، فكانت بينهم وقعات ثم تهادنوا على ترك الحرب حتى ينظروا ما يكون من
إبراهيم  والمنصور     . فلما قتل  
إبراهيم  هرب  
مروان بن سعيد  عنهما فاختفى حتى مات . 
فلم يزل  
إبراهيم  بالبصرة  يفرق العمال والجيوش حتى أتاه نعي أخيه  
محمد  قبل عيد الفطر بثلاثة أيام ، فخرج بالناس يوم العيد وفيه الانكسار فصلى بهم وأخبرهم بقتل  
محمد  ، فازدادوا في قتال  
المنصور  بصيرة ، وأصبح من الغد فعسكر واستخلف على 
البصرة  نميلة  وخلف ابنه  
حسنا  معه .