صفحة جزء
[ ص: 192 ] 158

ثم دخلت سنة ثمان وخمسين ومائة

ذكر عزل موسى عن الموصل وولاية خالد بن برمك

في هذه السنة عزل المنصور موسى بن كعب عن الموصل ، وكان قد بلغه عنه ما أسخطه عليه ، فأمر ابنه المهدي أن يسير إلى الرقة ، وأظهر أنه يريد بيت المقدس ، وأمره أن يجعل طريقه على الموصل ، فإذا صار بالبلد أخذ موسى وقيده واستعمل خالد بن برمك .

وكان المنصور قد ألزم خالد بن برمك ثلاثة آلاف ألف درهم ، وأجله ثلاثة أيام ، فإن أحضر المال وإلا قتله ، فقال لابنه يحيى : يا بني الق إخواننا عمارة بن حمزة ، ومباركا التركي ، وصالحا صاحب المصلى ( وغيرهم ) وأعلمهم حالنا .

قال يحيى : فأتيتهم ، فمنهم من منعني الدخول عليه ووجه المال ، ومنهم من تجهمني بالرد ووجه المال [ سرا إلي ] . قال : فأتيت عمارة بن حمزة ووجهه إلى الحائط ، فما أقبل به علي ، فسلمت ، فرد ردا ضعيفا .

وقال : كيف أبوك ؟ فعرفته الحال ، وطلبت قرض مائة ألف ، فقال : إن أمكنني شيء فسيأتيك ، فانصرفت وأنا ألعنه من تيهه ، وحدثت أبي بحديثه ، وإذ قد أنفذ المال ، قال : فجمعنا في يومين ألفي ألف وسبعمائة ألف ، وبقي ثلاثمائة ألف تبطل الجميع بتعذرها .

قال : فعبرت على الجسر وأنا مهموم ، فوثب إلي زاجر فقال : فرخ الطائر أخبرك ، فطويته فلحقني ، وأخذ بلجام دابتي ، وقال لي : أنت مهموم ، ووالله لتفرحن ولتمرن غدا في هذا الموضع والدواء بين يديك . فعجبت من قوله ، فقال : إن كان ذلك فلي عليك خمسة آلاف درهم . فقلت : نعم ! وأنا أستبعد ذلك .

[ ص: 193 ] وورد على المنصور انتقاض الموصل والجزيرة ، وانتشار الأكراد بها ، فقال : من لها ؟ فقال المسيب بن زهير : عندي رأي أعلم أنك لا تقبله مني ، وأعلم أنك ترده علي ، ولكني لا أدع نصحك .

قال : قل ! قلت : ما لها مثل خالد بن برمك . قال : فكيف يصلح لنا بعد ما فعلنا ؟ قال : إنما قومته بذلك ، وأنا الضامن له . قال : فليحضرني غدا ، فأحضره ، فصفح له عن الثلاثمائة ألف الباقية ، وعقد له ، وعقد لابنه يحيى على أذربيجان .

فاجتاز يحيى بالزاجر ، فأخذه معه ، وأعطاه خمسين ألف درهم ، وأنفذ خالد إلى عمارة بالمائة ألف التي أخذها منه مع ابنه يحيى ، فقال له : صيرفيا كنت لأبيك ؟ قم عني ، لا قمت ! فعاد بالمال ، وسار مع المهدي ، فعزل موسى بن كعب وولاهما .

فلم يزل خالد على الموصل ، وابنه يحيى على أذربيجان إلى أن توفي المنصور ، فذكر أحمد بن محمد بن سوار الموصلي قال : ما هبنا أميرا قط هيبتنا خالدا ، من غير أن يشتد علينا ، ولكن هيبة كانت له في صدورنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية