صفحة جزء
ذكر ولاية إبراهيم بن الأغلب إفريقية

لما استقر الأمر لمحمد بن مقاتل ببلاد إفريقية ، وأطاعه تمام ، كره أهل البلاد ذلك ، وحملوا إبراهيم بن الأغلب على أن كتب إلى الرشيد يطلب منه ولاية إفريقية ، فكتب إليه ذلك .

وكان على ديار مصر كل سنة مائة ألف دينار تحمل إلى إفريقية معونة ، فنزل إبراهيم عن ذلك ، وبذل أن يحمل كل سنة أربعين ألف دينار ، فأحضر الرشيد ثقاته واستشارهم ( فيمن يوليه ) إفريقية ، وذكر لهم كراهة أهلها ولاية محمد بن مقاتل .

فأشار هرثمة بإبراهيم بن الأغلب ، وذكر له ما رآه من عقله ودينه وكفايته ، وأنه قام بحفظ إفريقية عن ابن مقاتل ، فولاه الرشيد في المحرم سنة أربع وثمانين ومائة ، فانقمع الشر ، وضبط الأمر ، وسير تماما ، وكل من يتوثب على الولاة ، إلى الرشيد ، فسكنت البلاد ، وابتنى مدينة سماها العباسية بقرب القيروان ، وانتقل إليها بأهله وعبيده .

وخرج عليه ، سنة ست وثمانين ومائة ، رجل من أبناء العرب بمدينة تونس ، اسمه حمديس ، فنزع السواد ، وكثر جمعه ، فبعث إليه ابن الأغلب عمران بن مخلد في عساكر كثيرة ، وأمره أن لا يبقي على أحد منهم إن ظفر بهم .

فسار عمران ، والتقوا واقتتلوا ، وصار أصحاب حمديس يقولون : بغداذ ! بغداذ ! وصبر الفريقان ، فانهزم [ ص: 319 ] حمديس ومن معه ، وأخذهم السيف ، فقتل منهم عشرة آلاف رجل ، ودخل عمران تونس .

ثم بلغ ابن الأغلب أن إدريس بن إدريس العلوي قد كثر جمعه بأقاصي المغرب ، فأراد قصده ، فنهاه أصحابه وقالوا : اتركه ما تركك ، فأعمل الحيلة ، وكاتب القيم بأمره من المغاربة ، واسمه بهلول بن عبد الواحد ، وأهد إليه ، ولم يزل به حتى فارق إدريس وأطاع إبراهيم ، وتفرق جمع إدريس ، فكتب إلى إبراهيم يستعطفه ، ويسأله الكف عن ناحيته ، ويذكر له قرابته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكف عنه .

ثم إن عمران بن مخلد ، المقدم ذكره ، وكان من بطانة إبراهيم بن الأغلب ، وينزل معه في قصره ، ركب يوما مع إبراهيم وجعل يحدثه ، فلم يفهم من حديثه شيئا لاشتغال قلبه بمهم كان له ، فاستعاد الحديث من عمران فغضب وفارق إبراهيم ، وجمع جمعا كثيرا ، وثار عليه ، فنزل بين القيروان والعباسية ، وصارت القيروان وأكثر بلاد إفريقية معه .

فخندق إبراهيم على العباسية ، وامتنع فيها ، ودامت الحرب بينهما سنة كاملة ، فسمع الرشيد الخبر ، فأنفذ إلى إبراهيم خزانة مال ، فلما صارت إليه الأموال أمر مناديا ينادي : من كان من جند أمير المؤمنين فليحضر لأخذ العطاء . ففارق عمران أصحابه وتفرقوا عنه ، فوثب عليهم أصحاب إبراهيم فانهزموا ، فنادى إبراهيم بالأمان والحضور لقبض العطاء ، فحضروا فأعطاهم وقلع أبواب القيروان وهدم في سورها .

وأما عمران ، فسار حتى لحق بالزاب ، فأقام به حتى مات إبراهيم وولى بعده ابنه عبد الله فأمن عمران ، فحضر عنده ، وأسكنه معه ، فقيل لعبد الله : إن هذا ثأر بأبيك ، ولا نأمنه عليك ، فقتله .

ولما انهزم عمران سكن الشر بإفريقية ، وأمن الناس ، فبقي كذلك إلى أن توفي إبراهيم في شوال سنة ست وتسعين ومائة وعمره ست وخمسون سنة ، وإمارته اثنتا عشرة سنة وأربعة أشهر وعشرة أيام .

[ ص: 320 ] ( ذكر ولاية عبد الله بن إبراهيم بن الأغلب إفريقية )

ولما توفي إبراهيم بن الأغلب ولي بعده ابنه عبد الله ، وكان عبد الله غائبا بطرابلس قد حصره البربر ، على ما نذكره سنة ست وتسعين ومائة ، فعهد إليه أبوه بالإمارة ، وأمر ابنه زيادة الله بن إبراهيم أن يبايع لأخيه عبد الله بالإمارة ، فكتب إلى أخيه بموت أبيه ، وبالإمارة ، ففارق طرابلس ، ووصل إلى القيروان ، فاستقامت الأمور ، ولم يكن في أيامه شر ، ولا حرب ، وسكن الناس فعمرت البلاد ، وتوفي في ذي الحجة سنة إحدى ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية