صفحة جزء
[ ص: 434 ] ذكر وثوب الجند بطاهر والأمين ونزوله ببغداذ

وأقام طاهر بصرصر مشمرا في محاربة الأمين ، وكان لا يأتيه جيش إلا هزمه .

وبذل الأمين الأموال ، فاشتد ذلك على أصحاب طاهر ، فسار إليه منهم نحو خمسة آلاف ، فسر بهم الأمين ، ووعدهم ومناهم ، وفرق فيهم مالا عظيما ، وغلف لحاهم بالغالية ، فسموا قواد الغالية ، وقود جماعة من الحربية ، ووجههم إلى دسكرة الملك والنهروان ، فلم يكن بينهم قتال كثير ، وندب جماعة من قواد بغداذ ، ووجههم إلى الياسرية ، والكوثرية ، وفرق الجواسيس في أصحاب طاهر ، ودس إلى رؤساء الجند ، فأطمعهم ورغبهم ، فشغبوا على طاهر ، واستأمن كثير منهم إلى الأمين ، فانضموا إلى عسكره ، وساروا حتى أتوا صرصرا ، فعبأ طاهر أصحابه كراديس ، وسار فيهم يمنيهم ويحرضهم ، ويعدهم النصر ، ثم تقدم ، فاقتتلوا مليا من النهار ، ثم انهزم أصحاب الأمين ، وغنم عسكر طاهر ما كان لهم من السلاح والدواب وغير ذلك .

وبلغ ذلك الأمين فأخرج الأموال وفرقها ، وجمع أهل الأرباض ، وقود منهم جماعة ، وفرق فيهم الأموال ، وأعطى كل قائد منهم قارورة غالية ، ولم يفرق في أجناد القواد وأصحابهم شيئا .

فبلغ ذلك طاهرا فراسلهم ، ووعدهم واستمالهم ، وأغرى أصاغرهم بأكابرهم ، فشغبوا على الأمين في ذي الحجة ، فصعب الأمر عليه ، فأشار عليه أصحابه باستمالتهم والإحسان إليهم ، فلم يفعل ، وأمر بقتالهم جماعة من المستأمنة والمحدثين ، فقاتلوهم ، وراسلهم طاهر وراسلوه ، وأخذ رهائنهم على بذل الطاعة ، وأعطاهم الأموال .

ثم تقدم ، فصار إلى موضع البستان الذي على باب الأنبار في ذي الحجة ، فنزل بقواده وأصحابه ، ونزل من استأمن إليه من جند الأمين في البستان والأرباض ، وأضعف للقواد وأبنائهم والخواص - العطاء ، ونقب أهل السجون السجون ، وخرجوا منها ، وفتن الناس وساءت حالهم ، ووثب الشطار على أهل الصلاح ، ولم يتغير بعسكر طاهر [ ص: 435 ] حال لتفقده حالهم ، وأخذه على أيدي السفهاء ، وغادى القتال وراوحه ، حتى تواكل الفريقان وخربت الديار .

وحج بالناس هذه السنة العباس بن موسى بن عيسى بن موسى ، ودعا للمأمون بالخلافة ، وهو أول موسم دعي له فيه بالخلافة .

التالي السابق


الخدمات العلمية