ذكر 
مافتحه زيادة الله بن الأغلب من جزيرة صقلية وما كان فيها من الحروب إلى أن توفي 
في سنة اثنتي عشرة ومائتين جهز  
زيادة الله  جيشا في البحر ، وسيرهم إلى 
جزيرة صقلية  ، واستعمل عليهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات  ، قاضي 
القيروان  ، وهو من أصحاب  
مالك  ، وهو مصنف الأسدية ( في الفقه على مذهب  
مالك     ) ، فلما وصلوا إليها ملكوا كثيرا منها . 
وكان سبب إنفاذ الجيش أن ملك 
الروم  بالقسطنطينية  استعمل على 
جزيرة صقلية  بطريقا اسمه  
قسطنطين  سنة إحدى عشرة ومائتين ، فلما وصل إليها استعمل على جيش الأسطول إنسانا روميا اسمه  
فيمي  ، كان حازما شجاعا ، فغزا 
إفريقية  ، وأخذ من سواحلها تجارا ، ونهب ، وبقي هناك مديدة . 
ثم إن ملك 
الروم  كتب إلى  
قسطنطين     ( يأمره بالقبض ) على  
فيمي  ، مقدم الأسطول ، وتعذيبه ، فبلغ الخبر إلى  
فيمي  ، فأعلم أصحابه فغضبوا له ، وأعانوه على المخالفة ، فسار في مراكبه إلى 
صقلية  ، واستولى على مدينة 
سرقوسة  ، فسار إليه  
قسطنطين     ( فالتقوا واقتتلوا ، فانهزم  
قسطنطين     ) إلى مدينة 
قطانية  ، فسير إليه  
فيمي   [ ص: 490 ] جيشا ، فهرب منهم ، فأخذ وقتل ، وخوطب  
فيمي  بالملك ، واستعمل على ناحية من الجزيرة رجلا اسمه  
بلاطه  ، فخالف على  
فيمي  ، وعصى ، واتفق هو وابن عم له اسمه  
ميخائيل  ، وهو والي مدينة 
بلرم  ، وجمعا عسكرا كثيرا ، فقاتلا  
فيمي  ، وانهزم ، فاستولى  
بلاطه  على مدينة 
سرقوسة    . 
وركب  
فيمي  ومن معه في مراكبهم إلى 
إفريقية  ، وأرسل إلى الأمير  
زيادة الله  يستنجده ، ويعده بملك 
جزيرة صقلية  ، فسير معه جيشا في ربيع الأول سنة اثنتي عشرة ومائتين ، فوصلوا إلى مدينة 
مازر  من 
صقلية  ، فساروا إلى  
بلاطه  ، الذي قاتل  
فيمي  ، فلقيهم جمع 
للروم  ، فقاتلهم المسلمون ، وأمروا  
فيمي  ومن معه أن يعتزلوهم ، واشتد القتال بين المسلمين 
والروم  ، فانهزمت 
الروم  ، وغنم المسلمون أموالهم ودوابهم ، وهرب  
بلاطه  إلى 
قلورية  ، فقتل بها . 
واستولى المسلمون على عدة حصون من الجزيرة ، ووصلوا إلى قلعة تعرف 
بقلعة الكراث  وقد اجتمع إليها خلق كثير ، فخدعوا القاضي  
 nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات  أمير المسلمين ، وذلوا له ، فلما رآهم  
فيمي  مال إليهم ، وراسلهم أن يثبتوا ، ويحفظوا بلدهم ، فبذلوا  
لأسد  الجزية ، وسألوه أن لا يقرب منهم ، فأجابهم إلى ذلك ، وتأخر عنهم ( أياما ، فاستعدوا للحصار ، ودفعوا إليهم ما يحتاجون إليه ، فامتنعوا عليه ) ، وناصبهم الحرب ، وبث السرايا في كل ناحية ، فغنموا شيئا كثيرا ، وافتتحوا عمرانا كثيرا حول 
سرقوسة  ، ( وحاصروا 
سرقوسة    ) برا وبحرا ، ولحقته الأمداد من 
إفريقية  ، فسار إليهم والي 
بلرم  في عساكر كثيرة ، فخندق المسلمون عليهم ، وحفروا خارج الخندق حفرا كثيرة ، فحمل 
الروم  عليهم ، فسقط في تلك الحفر كثير منهم ، فقتلوا . 
وضيق المسلمون على 
سرقوسة  ، فوصل أسطول من 
القسطنطينية  فيه جمع كثير ،   
[ ص: 491 ] وكان قد حل بالمسلمين وباء شديد ، ( سنة ثلاث عشرة ومائتين ) ، هلك فيه كثير منهم ، وهلك فيه أميرهم  
 nindex.php?page=showalam&ids=12311أسد بن الفرات  ، وولي الأمر على المسلمين بعده  
 nindex.php?page=showalam&ids=12208محمد بن أبي الجواري  ، فلما رأى المسلمون شدة الوباء ووصول 
الروم  ، تحملوا في مراكبهم ليسيروا ، فوقف 
الروم  في مراكبهم على باب المرسى ، فمنعوا المسلمين من الخروج . 
فلما رأى المسلمون ذلك أحرقوا مراكبهم وعادوا ، ورحلوا إلى مدينة 
ميناو  ، ( فحصروها ثلاثة أيام ) ، وتسلموا الحصن ، فسار طائفة منهم إلى حصن 
جرجنت  ، فقاتلوا أهله وملكوه ، وسكنوا فيه ، واشتدت نفوس المسلمين بهذا الفتح وفرحوا . 
ثم ساروا إلى مدينة 
قصريانة  ومعهم  
فيمي  ، فخرج أهلها إليه ، فقبلوا الأرض بين يديه ، وأجابوا إلى أن يملكوه عليهم ، وخدعوه ، ثم قتلوه . 
ووصل جيش كثير من 
القسطنطينية  مددا لمن في الجزيرة ، فتصافوا هم والمسلمون ، فانهزم 
الروم  ، وقتل منهم خلق كثير ، ودخل من سلم 
قصريانة    . 
وتوفي  
 nindex.php?page=showalam&ids=12208محمد بن أبي الجواري  أمير المسلمين ، وولي بعده  
زهير بن غوث     . 
ثم إن سرية المسلمين سارت للغنيمة ، فخرج عليها طائفة من 
الروم  فاقتتلوا ، وانهزم المسلمون ، وعادوا من الغد ، ومعهم جمع العسكر ، فخرج إليهم 
الروم  ، وقد اجتمعوا وحشدوا ، وتصافوا مرة ثانية ، فانهزم المسلمون أيضا ، وقتل منهم نحو ألف قتيل ، وعادوا إلى معسكرهم ، وخندقوا عليهم ، فحصرهم 
الروم  ، ودام القتال بينهم ، فضاقت الأقوات على المسلمين ، فعزموا على بيات 
الروم  ، فعلموا بهم ، ففارقوا الخيم ، وكانوا بالقرب منها ، فلما خرج المسلمون لم يروا أحدا . 
وأقبل 
الروم  من كل ناحية ، فأكثروا القتل فيهم ، وانهزم الباقون ، فدخلوا   
[ ص: 492 ] ميناو  ، ودام الحصار عليهم حتى أكلوا الدواب والكلاب . 
فلما سمع من في مدينة 
جرجنت  من المسلمين ما هم عليه هدموا المدينة ، وساروا إلى 
مازر  ، ولم يقدروا على نصرة إخوانهم ، ودام الحال كذلك إلى أن دخلت سنة أربع عشرة ومائتين ، وقد أشرف المسلمون على الهلاك ، وإذ قد أقبل أسطول كثير من 
الأندلس  ، خرجوا غزاة ، ووصل في ذلك الوقت مراكب كثيرة من 
إفريقية  مددا للمسلمين ، فبلغت عدة الجميع ثلاثمائة مركب ، فنزلوا إلى الجزيرة ، فانهزم 
الروم  عن حصار المسلمين وفرج الله عنهم ، وسار المسلمون إلى مدينة 
بلرم  ، فحصروها ، وضيقوا على من بها ، فطلب صاحبها الأمان لنفسه ولأهله ولماله ، فأجيب إلى ذلك ، وسار في البحر إلى بلاد 
الروم    . 
ودخل المسلمون البلد في رجب سنة ست عشرة ومائتين ، فلم يروا فيه إلا أقل من ثلاثة آلاف إنسان ، وكان فيه لما حصروه سبعون ألفا ، وماتوا كلهم . 
وجرى بين المسلمين : 
أهل إفريقية  ، 
وأهل الأندلس    - خلف ونزاع ، ثم اتفقوا ، وبقي المسلمون إلى سنة تسع عشرة ومائتين . 
وسار المسلمون إلى مدينة 
قصريانة  ، فخرج من فيها من 
الروم  ، فاقتتلوا أشد قتال ، ففتح الله على المسلمين ، ( وانهزم 
الروم  إلى معسكرهم ) ، ثم رجعوا في الربيع فقاتلوهم ، فنصر المسلمون أيضا . 
ثم ساروا سنة عشرين ومائتين ، ( وأميرهم  
محمد بن عبد الله  إلى 
قصريانة  ، فقاتلهم 
الروم  ، فانهزموا ، وأسرت امرأة لبطريقهم وابنه ، وغنموا ما كان في عسكرهم وعادوا إلى 
بلرم    . 
ثم سير  
محمد بن عبد الله  عسكرا إلى ناحية 
طبرمين    ) ، عليهم  
محمد بن سالم  ، فغنم غنائم كثيرة ، ثم عدا عليه بعض عسكره فقتلوه ، ولحقوا 
بالروم  ، فأرسل  
زيادة الله  من 
إفريقية  الفضل بن يعقوب  عوضا منه ، فسار في سرية إلى ناحية 
سرقوسة  ، فأصابوا غنائم كثيرة وعادوا ، ثم سارت سرية كبيرة ، فغنمت وعادت ، فعرض لهم البطريق ملك 
الروم  بصقلية  ، وجمع كثير ، فتحصنوا من 
الروم  في أرض وعر ، وشجر كثيف ، فلم   
[ ص: 493 ] يتمكن من قتالهم ، وواقفهم إلى العصر ، فلما رأى أنهم لا يقاتلونهم عاد عنهم ، فتفرق أصحابه وتركوا التعبئة . 
فلما رأى المسلمون ذلك حملوا عليهم حملة صادقة ، فانهزم 
الروم  وطعن البطريق ، وجرح عدة جراحات ، وسقط عن فرسه ، فأتاه حماة أصحابه ، واستنقذوه جريحا ، وحملوه ، وغنم المسلمون ما معهم من سلاح ومتاع ودواب ، فكانت وقعة عظيمة . 
وسير  
زيادة الله  من 
إفريقية  إلى 
صقلية  أبا الأغلب إبراهيم بن عبد الله  أميرا عليها ، فخرج إليها ، فوصل إليها منتصف رمضان ، فبعث أسطولا ، فلقوا جمعا 
للروم  في أسطول ، فغنم المسلمون [ ما فيه ] ، فضرب  
أبو الأغلب  رقاب كل من فيه . 
وبعث أسطولا آخر إلى 
قوصرة  ، فظفر 
بحراقة  فيها رجال من 
الروم  ، ورجل متنصر من 
أهل إفريقية  ، فأتى بهم فضرب رقابهم . 
وسارت سرية أخرى إلى 
جبل النار  والحصون التي في تلك الناحية ، فأحرقوا الزرع ، وغنموا ( وأكثروا القتل . 
ثم سير  
أبو الأغلب  سنة إحدى وعشرين ومائتين سرية إلى 
جبل النار  أيضا ، فغنموا غنائم عظيمة ، حتى بيع الرقيق بأبخس الأثمان ، وعادوا سالمين . 
وفيها سير  
أبو الأغلب  أيضا سرية إلى 
قسطلياسة  ، فغنموا وسبوا ، ولقيهم العدو ، فكانت بينهم حرب استظهر فيها 
الروم    . 
وسير سرية إلى مدينة 
قصريانة  ، فخرج إليهم العدو ، فاقتتلوا ، فانهزم المسلمون وأصيب منهم جماعة . 
ثم كانت وقعة أخرى بين 
الروم  والمسلمين ، فانهزم 
الروم  ، وغنم المسلمون منهم تسعة مراكب كبار برجالها وشلندس . فلما جاء الشتاء وأظلم الليل رأى رجل من   
[ ص: 494 ] المسلمين غرة من 
أهل قصريانة  ، فقرب منه ، ورأى طريقا ، فدخل منه ، ولم يعلم به أحد ، ثم انصرف إلى العسكر ، فأخبرهم فجاءوا معه ، فدخلوا من ذلك الموضع ، وكبروا ، وملكوا ربضه ، وتحصن المشركون منهم بحصنه ، فطلبوا الأمان ، فأمنوهم ، وغنم المسلمون غنائم كثيرة ، وعادوا إلى 
بلرم    . 
وفي سنة ثلاث وعشرين ومائتين وصل كثير من الروم في البحر إلى 
صقلية  ، وكان المسلمون يحاصرون 
جفلوذى  ، وقد طال حصارها ، فلما وصل 
الروم  رحل المسلمون عنها ، وجرى بينهم وبين 
الروم  الواصلين حروب كثيرة . 
ثم وصل الخبر بوفاة  
زيادة الله ( بن إبراهيم بن الأغلب     ) ، أمير 
إفريقية  ، فوهن المسلمون ، ثم تشجعوا وضبطوا أنفسهم . 
( 
سرقوسة  بسين مفتوحة وقاف وواو وسين ثانية . 
وبلرم  بفتح الباء الموحدة واللام وتسكين الراء وبعدها ميم . 
وميناو  بميم وياء تحتها نقطتان ونون وبعد الألف واو . 
وجرجنت  بجيم وراء وجيم ثانية مفتوحة [ ونون ] وتاء فوقها نقطتان ، 
وقصريانة  بالقاف والصاد المهملة والراء والياء تحتها نقطتان وبعد الألف نون مشددة وهاء ) .