صفحة جزء
ذكر الفتنة بين عامر ومنصور وقتل منصور بإفريقية

وفي هذه السنة وقع الاختلاف بين عامر بن نافع وبين منصور بن نصر بإفريقية ، وسبب ذلك أن منصورا كان كثير الحسد . . . وسار بهم من تونس إلى [ منصور ] وهو بقصره بطنبذة ، فحصره ، حتى فني ما كان عنده من الماء ، فراسله منصور وطلب منه الأمان على أن يركب سفينة ويتوجه إلى المشرق ، فأجابه إلى ذلك ، فخرج منصور أول [ ص: 552 ] الليل مختفيا يريد الأربس ، فلما أصبح عامر ولم ير لمنصور أثرا طلبه حتى أدركه ، فاقتتلوا وانهزم منصور ، ودخل الأربس فتحصن بها ، وحصره عامر ، ونصب عليه منجنيقا .

فلما اشتد الحصار على أهل الأربس قالوا لمنصور : إما أن تخرج عنا ، وإلا سلمناك إلى عامر ، فقد أضر بنا الحصار . فاستمهلهم حتى يصلح أمره ، فأمهلوه ، وأرسل إلى عبد السلام بن المفرج ، وهو من قواد الجيش ، يسأله الاجتماع به ، فأتاه ، فكلمه منصور من فوق السور واعتذر ، وطلب منه أن يأخذ له أمانا من عامر حتى يسير إلى المشرق ، فأجابه عبد السلام إلى ذلك ، واستعطف له عامرا ، فأمنه على أن يسير إلى تونس ، ويأخذ أهله وحاشيته ويسير بهم إلى الشرق .

فخرج إليه ، فسيره مع خيل إلى تونس ، وأمر رسوله سرا أن يسير به إلى مدينة جربة ، ويسجنه بها ، ففعل ذلك ، وسجن معه أخاه حمدون .

فلما علم عبد السلام ذلك عظم عليه ، وكتب عامر إلى أخيه ، وهو عامله على جربة ، يأمره بقتل منصور وأخيه حمدون ، ولا يراجع فيهما ، فحضر عندهما ، وأقرأهما الكتاب ، فطلب منصور منه دواة وقرطاسا ليكتب وصيته ، فأمر له بذلك ، فلم يقدر [ أن ] يكتب ، وقال : فاز المقتول بخير الدنيا والآخرة . ثم قتلهما ، وبعث برأسيهما إلى أخيه ، واستقامت الأمور لعامر بن نافع ، ورجع عبد السلام بن المفرج إلى مدينة باجة ، وبقي عامر بن نافع بمدينة تونس ، وتوفي سلخ ربيع الآخر سنة أربع عشرة ومائتين ، فلما وصل خبره إلى زيادة الله قال : الآن وضعت الحرب أوزارها . وأرسل بنوه إلى زيادة الله يطلبون الأمان ، فأمنهم وأحسن إليهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية