صفحة جزء
[ ص: 8 ] 219

ثم دخلت سنة تسع عشرة ومائتين

ذكر خلاف محمد بن القاسم العلوي

في هذه السنة ظهر محمد بن القاسم بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، عليه السلام ، بالطالقان من خراسان ، يدعو إلى الرضى من آل محمد صلى الله عليه وسلم .

وكان ابتداء أمره أنه كان ملازما مسجد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، حسن السيرة ، فأتاه إنسان من خراسان اسمه أبو محمد كان مجاورا ، فلما رآه أعجبه طريقه ، فقال له : أنت أحق بالإمامة من كل أحد ، وحسن له ذلك ، وبايعه ، وصار الخراساني يأتيه بالنفر من حجاج خراسان يبايعونه ، فعل ذلك مدة .

فلما رأى كثرة من بايعه من خراسان ساروا جميعا إلى الجوزجان ، واختفى هنالك ، وجعل أبو محمد يدعو الناس إليه ، فعظم أصحابه ، وحمله أبو محمد على إظهار أمره ، فأظهره بالطالقان فاجتمع إليه بها ناس كثير وكانت بينه وبين قواد عبد الله بن طاهر وقعات بناحية الطالقان وجبالها ، فانهزم هو وأصحابه ، وخرج هاربا يريد بعض كور خراسان ، وكان أهلها كاتبوه .

فلما صار بنسا ، وبها والد بعض من معه ، فلما بصر به سأله عن الخبر فأخبره ، فمضى الأب إلى عامل نسا ، فأخبره بأمر محمد بن القاسم ، فأعطاه العامل عشرة آلاف درهم على دلالته ، وجاء العامل إلى محمد ، فأخذه واستوثق منه ، وبعثه إلى عبد الله بن طاهر ، فسيره إلى المعتصم ، فورد إليه منتصف ربيع الأول ، فحبس عند مسرور [ ص: 9 ] الخادم الكبير ، وأجرى عليه الطعام ، ووكل به قوما يحفظونه ، فلما كان ليلة الفطر اشتغل الناس بالعيد ، فهرب من الحبس ؛ دلي إليه حبل من كوة كانت [ في أعلى البيت ] يدخل [ عليه ] منها الضوء ، فلما أصبحوا أتوه بالطعام ، فلم يروه ، فجعلوا لمن دل عليه مائة ألف ، فلم يعرف له خبر .

ذكر محاربة الزط

وفيها وجه المعتصم عجيف بن عنبسة في جمادى الآخرة لحرب الزط الذين كانوا غلبوا على طريق البصرة ، وعاثوا ، وأخذوا الغلات من البيادر بكسكر وما يليها من البصرة ، وأخافوا السبيل ، ورتب عجيف الخيل في كل سكة من سكك البريد ، تركض بالأخبار ، فكان يأتي بالأخبار من عجيف في يوم ، فسار حتى نزل تحت واسط ، وأقام على نهر يقال له : بردودا ( حتى سده وأنهارا أخر كانوا يخرجون منها ويدخلون ) وأخذ عليهم الطرق ، ثم حاربهم ، فأسر منهم في معركة واحدة خمسمائة رجل ، وقتل في المعركة ثلاثمائة رجل ، فضرب أعناق الأسرى ، وبعث الرؤوس إلى باب المعتصم .

ثم أقام عجيف بإزاء الزط خمسة عشر يوما ، فظفر منهم فيها بخلق كثير .

وكان رئيس الزط رجلا يقال له : ( محمد ) بن عثمان ، وكان صاحب أمره إنسانا يقال له سماق .

ثم استوطن عجيف ، وأقام بإزائهم سبعة أشهر .

ذكر محاصرة طليطلة

في هذه السنة سير عبد الرحمن بن الحكم الأموي ، صاحب الأندلس ، جيشا [ ص: 10 ] مع ( أمية بن الحكم ) إلى مدينة طليطلة فحصرها ، وكانوا قد خالفوا الحكم ، وخرجوا عن الطاعة ، واشتد في حصرهم ، وقطع أشجارهم ، وأهلك زروعهم ، فلم يذعنوا إلى الطاعة ، فرحل عنهم ، وأنزل بقلعة رباح جيشا عليهم ميسرة ، المعروف بفتى أبي أيوب ، فلما أبعدوا منه خرج جمع كثير من أهل طليطلة ، لعلهم يجدون فرصة وغفلة من ميسرة ، فينالوا منه ومن أصحابه غرضا ، وكان ميسرة قد بلغه الخبر ، فجعل الكمين في مواضع ، فلما وصل أهل طليطلة إلى قلعة رباح للغارة ، خرج الكمين عليهم من جوانبهم ، ووضعوا السيف فيهم ، وأكثروا القتل ، وعاد من سلم منهم إلى طليطلة ، وجمعت رؤوس القتلى ، وحملت إلى ميسرة ، فلما رأى كثرتها عظمت عليه ، وارتاع لذلك ، ووجد في نفسه غما شديدا ، فمات بعد أيام يسيرة .

وفيها أيضا كان بطليطلة فتنة كبيرة ، تعرف بملحمة العراس ، قتل من أهلها كثير .

ذكر عدة حوادث

[ محنة الإمام أحمد بن حنبل ]

وفيها أحضر المعتصم أحمد بن حنبل ، وامتحنه بالقرآن ، فلم يجب إلى القول بخلقه ، فأمر به فجلد جلدا عظيما حتى غاب عقله ، وتقطع جلده ، وحبس مقيدا .

وفيها قدم إسحاق بن إبراهيم إلى بغداد في جمادى الأولى ، ومعه من أسرى الخرمية خلق كثير ، وقيل إنه قتل منهم نحو مائة ألف سوى النساء والصبيان .

[ الوفيات ]

وفيها توفي أبو نعيم الفضل بن دكين الملائي ، مولى طلحة بن عبد الله التيمي ، في شعبان ، وهو من مشايخ البخاري ومسلم ، كان مولده سنة ثلاثين ومائة ، وكان شيعيا ، ( وله طائفة تنسب إليه يقال لها الدكينية ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية