صفحة جزء
ذكر ولاية عبد الله الموصل وقتله

في هذه السنة عصى بأعمال الموصل إنسان من مقدمي الأكراد اسمه جعفر بن فهرجس ، وتبعه خلق كثير من الأكراد وغيرهم ممن يريد الفساد ، فاستعمل المعتصم عبد الله بن السيد بن أنس الأزدي على الموصل ، وأمره بقتال جعفر ، فسار عبد الله إلى الموصل ، وكان جعفر بمانعيس قد استولى عليها ، فتوجه عبد الله إليه ، وقاتله وأخرجه من مانعيس .

فقصد جبل داسن ، وامتنع بموضع عال فيه لا يرام ، والطريق إليه ضيق ، فقصد عبد الله إلى هناك ، وتوغل في تلك المضايق ، حتى وصل إليه وقاتله ، فاستظهر جعفر ومن معه من الأكراد على عبد الله لمعرفتهم بتلك المواضع ، وقوتهم على القتال بها رجالة ، فانهزم عبد الله وقتل أكثر من معه .

وممن أظهر منهم إنسان اسمه رباح حمل على الأكراد ، فخرق صفهم ، وطعن فيهم ، وقتل ، وصار وراء ظهورهم ، وشغلهم عن أصحابه ، حتى نجا منهم من أمكنه النجاة ، فتكاثر الأكراد عليه ، فألقى نفسه من رأس الجبل على فرسه ، وكان تحته نهر ، فسقط الفرس في الماء ونجا رباح .

وكان فيمن أسره جعفر رجلان أحدهما اسمه إسماعيل ، والآخر إسحاق بن أنس ، وهو عم عبد الله بن السيد ، وكان إسحاق صهر جعفر ، فقدمهما جعفر إليه ، فظن إسماعيل أنه يقتله ، ولا يقتل إسحاق للصهر الذي بينهما ، فقال : يا إسحاق أوصيك بأولادي ، فقال له إسحاق : أتظن أنك تقتل وأبقى بعدك ؟ ثم التفت إلى جعفر ، فقال : أسألك أن تقتلني قبله لتطيب نفسه ، فبدأ به فقتله ، وقتل إسماعيل بعده .

فلما بلغ ذلك المعتصم أمر إيتاخ بالمسير إلى جعفر وقتاله ، فتجهز ، وسار إلى الموصل سنة خمس وعشرين ، وقصد جبل داسن ، وجعل طريقه على سوق الأحد ، [ ص: 60 ] فالتقى هو وجعفر ، فقاتله قتالا شديدا ، فقتل جعفر ، وتفرق أصحابه ، فانكشف شره وأذاه عن الناس .

وقيل إن جعفرا شرب سما كان معه فمات ، وأوقع إيتاخ بالأكراد ، فأكثر القتل فيهم ، واستباح أموالهم ، وحشر الأسرى والنساء والأموال إلى تكريت .

وقيل : إن إيقاع إيتاخ بجعفر كان سنة ست وعشرين ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية