صفحة جزء
[ ص: 117 ] 234

ثم دخلت سنة أربع وثلاثين ومائتين

ذكر هرب محمد بن البعيث

في هذه السنة هرب محمد بن البعيث بن الجليس ، وكان سبب هربه أنه جيء به أسيرا من أذربيجان إلى سامرا ، وكان رجل يخدمه يسمى خليفة ، وكان المتوكل مريضا ، فأخبر خليفة ابن البعيث أن المتوكل مات ، ولم يكن مات ، وإنما أراد إطماع ابن البعيث في الهرب ، فوافقه على الهرب ، وأعد له دواب ، فهربا إلى موضعه من أذربيجان ، وهو مرند .

وقيل : كان له قلعة شاهي ، وقلعة يكدر .

وقيل : إن ابن البعيث كان في حبس إبراهيم بن مصعب ، فتكلم فيه بغا الشرابي ، فأخذ منه الكفلاء نحوا من ثلاثين كفيلا : منهم محمد بن خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني ، فكان يتردد بسامرا ، فهرب إلى مرند ، وجمع بها الطعام ، وهي مدينة حصينة ، وفيها عيون ماء ، ولها بساتين كثيرة داخل البلد .

وأتاه من أراد الفتنة من ربيعة وغيرهم ، فصار في نحو من ألفين ومائتي رجل ، وكان الوالي بأذربيجان محمد بن حاتم بن هرثمة ، فقصر في طلبه ، فولى المتوكل حمدويه بن علي بن الفضل السعدي أذربيجان ، وسيره على البريد ، وجمع الناس ، وسار إلى ابن البعيث ، فحصره في مرند ، فلما طالت مدة الحصار بعث المتوكل زيرك التركي في مائتي فارس من الأتراك ، فلم يصنع شيئا ، فوجه إليه المتوكل عمر بن سيسيل بن [ ص: 118 ] كال في تسع مائة فارس ، فلم يغن شيئا فوجه بغا الشرابي في ألفي فارس .

وكان حمدويه ، وابن سيسيل ، وزيرك قد قطعوا من الشجر الذي حول مرند نحو مائة ألف شجرة ، ونصبوا عليها عشرين منجنيقا ، ونصب ابن البعيث عليهم مثل ذلك ، فلم يقدروا على الدنو من سور المدينة ، فقتل من أصحاب المتوكل في حربه ، في ثمانية أشهر نحو مائة رجل ، وجرح نحو أربع مائة ، وأصاب أصحابه مثل ذلك ، وكان حمدويه ، وعمر وزيرك ، يغادونه القتال ويراوحونه ، وكان أصحابه يتدلون بالحبال من السور معهم الرماح ، فيقاتلون ، فإذا حمل عليهم أصحاب الخليفة تجاروا إلى السور ، وحموا نفوسهم ، فكانوا يفتحون الباب ، فيخرجون ، فيقاتلون ، ثم يرجعون .

ولما قرب بغا الشرابي من مرند بعث عيسى بن الشيخ بن السليل ، ومعه أمان لوجوه ابن البعيث ( أن ينزلوا ، وأمان لابن البعيث أن ينزل على حكم المتوكل ، فنزل من أصحابه خلق كثير بالأمان ، ثم فتحوا باب المدينة ، فدخل أصحاب المتوكل ، وخرج ابن البعيث ) هاربا ، فلحقه قوم من الجند ، فأخذوه أسيرا ، وانتهب الجند منزله ومنازل أصحابه ، وبعض منازل أهل المدينة ، ثم نودي بالأمان ، وأخذوا لابن البعيث أختين ، وثلاث بنات ، وعدة من السراري ، ثم وافاهم بغا الشرابي من غد ، فأمر فنودي بالمنع من النهب ، وكتب بالفتح لنفسه ، وأخذ ابن البعيث إليه .

ذكر إيتاخ وما صار إليه أمره

كان إيتاخ غلاما خزريا ، طباخا لسلام الأبرش ، فاشتراه منه المعتصم في سنة تسع وتسعين ومائة ، وكان فيه شجاعة ، فرفعه المعتصم والواثق ، وضم إليه أعمالا كثيرة ، منها المعونة بسامرا مع إسحاق بن إبراهيم .

[ ص: 119 ] وكان المعتصم ، إذا أراد قتل أحد ، فعند إيتاخ يقتل ، وبيده ، فحبس منهم أولا المأمون بن سندس ، وابن الزيات ، وصالح بن عجيف ، وغيرهم ، وكان مع المتوكل في مرتبته ، وإليه الجيش ، والمغاربة ، والأتراك ، والأموال ، والبريد ، والحجابة ، ودار الخلافة

فلما تمكن المتوكل من الخلافة شرب فعربد على إيتاخ ، فهم إيتاخ بقتله ، فلما أصبح المتوكل قيل له ، فاعتذر إليه ، أنت أبي ، وأنت ربيتني ، ثم وضع عليه من يحسن له الحج ، فاستأذن ( فيه المتوكل ، فأذن ) له ، وصيره أمير كل بلد يدخله ، وخلع عليه ، وسار العسكر جميعه بين يديه ، فلما فارق جعلت الحجابة إلى وصيف في ذي القعدة .

وقيل إن هذه القصة كانت سنة ثلاث وثلاثين ومائتين .

ذكر الخلف بإفريقية

في هذه السنة خرج عمرو بن سليم التجيبي المعروف بالقويع على محمد بن الأغلب أمير إفريقية ، فسير إليه جيشا ، فحصره بمدينة تونس هذه السنة ، فلم يبلغوا منه غرضا ، فعادوا عنه .

فلما دخلت سنة خمس وثلاثين سير إليه ابن الأغلب جيشا ، فالتقوا بالقرب من تونس ، ففارق جيش ابن الأغلب جمع كثير ، وقصدوا القويع فصاروا معه ، فانهزم جيش ابن الأغلب وقوي القويع ، فلما دخلت سنة ست وثلاثين سير محمد بن الأغلب إليه جيشا ، فاقتتلوا ، فانهزم القويع ، وقتل من أصحابه مقتلة عظيمة ، وأدرك القويع إنسان ، فضرب عنقه ، ودخل جيش ابن الأغلب مدينة تونس بالسيف في جمادى الأولى .

[ ص: 120 ] ذكر عدة حوادث

حج بالناس هذه السنة محمد بن داود بن عيسى بن موسى بن محمد ( بن علي بن عبد الله بن عباس ) .

[ الوفيات ]

وفيها توفي جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفي المتكلم ، أحد المعتزلة البغداديين ، وله مقالة يتفرد بها .

وفيها توفي أبو خثيمة زهير بن حرب في شعبان ، وكان حافظا للحديث ، وأبو أيوب سليمان بن داود بن بشر المنقري البصري المعروف ( بالشاذكوني بأصبهان .

وفيها توفي علي بن عبد الله بن جعفر المعروف بابن المديني الحافظ ، وقيل : سنة خمس وثلاثين [ ومائتين ] ، وهو إمام ثقة ، وكان والده ضعيفا في الحديث .

وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني ، ويحيى بن أيوب المقابري ، [ ص: 121 ] وأبو بكر بن أبي شيبة ، وأبو الربيع الزهراني .

التالي السابق


الخدمات العلمية