ذكر 
خلع  المهتدي  وموته 
( في رجب الخامس عشر منه ) ، خلع  
المهتدي  ، وتوفي لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه . 
وكان السبب في ذلك أن 
أهل الكرخ   والدور  من 
الأتراك  الذين تقدم ذكرهم ،   
[ ص: 283 ] تحركوا في أول رجب لطلب أرزاقهم ، فوجه  
المهتدي  إليهم أخاه  
أبا القاسم  ،  
وكيغلغ  وغيرهما ، فسكنوهم ، فرجعوا ، وبلغ  
أبا نصر محمد بن بغا  أن  
المهتدي  قال 
للأتراك    : إن الأموال عند  
محمد  وموسى  ابني  
بغا  ، فهرب إلى أخيه وهو 
بالسن  مقابل  
مساور  الشاري ، فكتب  
المهتدي  إليه أربعة كتب يعطيه الأمان ، فرجع هو وأخوه حيسون ، فحبسهما ، ومعهما  
كيغلغ  ، وطولب  
أبو نصر محمد بن بغا  بالأموال ، فقبض من وكيله خمسة عشر ألف دينار ، وقتل لثلاث خلون من رجب ، ورمي به في بئر فأنتن ، فأخرجوه إلى منزله ، وصلى عليه  
الحسن بن المأمون     . 
وكتب  
المهتدي  إلى  
موسى بن بغا  ، لما حبس أخاه أن يسلم العسكر إلى  
بايكباك  ويرجع إليه ، وكتب إلى  
بايكباك  أن يتسلم العسكر ، ويقوم بحرب  
مساور  الشاري ، وقتل  
موسى بن بغا  ومفلح  ، فسار  
بايكباك  بالكتاب إلى  
موسى  ، فقرأه عليه وقال : لست أفرح بهذا ، فإنه تدبير علينا جميعنا ، فما ترى ؟ فقال  
موسى     : أرى أن تسير إلى 
سامرا  ، وتخبره أنك في طاعته ونصرته علي وعلى  
مفلح  ، فهو يطمئن إليك ، ثم تدبر في قتله . 
فأقبل إلى 
سامرا  ، فوصلها ومعه  
ياركوج  ،  
وأسارتكين  ،  
وسيما الطويل  ، وغيرهم ، فدخلوا دار الخلافة لاثنتي عشرة مضت من رجب ، فحبس  
بايكباك  وصرف الباقين ، فاجتمع أصحاب  
بايكباك  وغيرهم من 
الأتراك  ، وقالوا : لم حبس قائدنا ، ولم قتل  
أبو نصر بن بغا  ؟ 
وكان عند  
المهتدي  صالح بن علي بن يعقوب بن المنصور  ، فشاوره فيه ، فقال له : إنه لم يبلغ أحد من آبائك ما بلغته من الشجاعة ، وقد كان  
أبو مسلم  أعظم شأنا عند أهل 
خراسان  من هذا عند أصحابه ، وقد كان فيهم من يعبده ، فما كان إلا أن طرح رأسه حتى سكتوا ، فلو فعلت مثل ذلك سكتوا . 
فركب  
المهتدي  ، وقد ( جمع له جميع ) 
المغاربة  ، 
والأتراك  ، 
والفراغنة  ، فصير في   
[ ص: 284 ] الميمنة  
مسرورا البلخي  ، وفي الميسرة  
ياركوج  ، ووقف هو في القلب مع  
أسارتكين  وطبايغوا  ، وغيرهما من القواد ، فأمر بقتل  
بايكباك  ، وألقى رأسه إليهم  
عتاب بن عتاب  ، فحملوا على  
عتاب  فقتلوه ، وعطفت ميمنة  
المهتدي  وميسرته بمن فيها من 
الأتراك  ، فصاروا مع إخوانهم 
الأتراك  ، فانهزم الباقون عن  
المهتدي  ، وقتل جماعة من الفريقين . 
فقيل : قتل سبعمائة وثمانون رجلا ، وقيل : قتل من 
الأتراك  نحو أربعة آلاف . 
وقيل : ألفان . 
وقيل : ألف . 
وقيل من أصحاب  
المهتدي  خلق كثير ، وولى منهزما ، وبيده السيف ، وهو ينادي : يا معشر المسلمين ! أنا أمير المؤمنين ، قاتلوا عن خليفتكم ! فلم يجبه أحد من العامة إلى ذلك ، فسار إلى باب السجن ، فأطلق من فيه وهو يظن أنهم يعينونه ، فهربوا ولم يعنه أحد ، فسار إلى دار  
أحمد بن جميل  صاحب الشرطة ، فدخلها وهم في أثره ، فدخلوا عليه وأخرجوه ، وساروا به إلى 
الجوسق  على بغل فحبس عند  
أحمد بن خاقان  ، ( وقبل  
المهتدي  يده ، فيما قيل ، مرارا عديدة ) ، وجرى بينهم وبينه ، وهو محبوس ، كلام كثير أرادوه فيه على الخلع ، فأبى واستسلم للقتل ، فقالوا : إنه كتب بخطه رقعة  
لموسى بن بغا  ،  
وبايكباك  ، وجماعة من القواد ، أنه لا يغدر بهم ، ولا يغتالهم ، ولا يفتك بهم ، ولا يهم بذلك ، وأنه متى فعل ذلك فهم في حل من بيعته ، والأمر إليهم ( يقعدون من ) شاءوا . 
فاستحلوا بذلك تقضي أمره ، فداسوا خصيتيه ، وصفقوه فمات ، وأشهدوا على   
[ ص: 285 ] موته أنه سليم ليس به أثر ، ودفن بمقبرة المنتصر . 
وقيل : كان سبب خلعه وموته أن أهل 
الكرخ  والدور  اجتمعوا وطلبوا أن يدخلوا إلى  
المهتدي  ، ويكلموه بحاجاتهم ، فدخلوا الدار ، وفيها  
أبو نصر محمد بن بغا  ، وغيره من القواد ، فخرج  
أبو نصر  منها ، ودخل أهل 
الكرخ  والدور  ، وشكوا حالهم إلى  
المهتدي  ، وهم في أربعة آلاف ، وطلبوا منه أن يعزل منهم أمراؤهم ، وأن يصير الأمر إلى إخوته ، وأن يأخذ القواد وكتابهم بالمال الذي صار إليهم ، فوعدهم بإجابتهم إلى ما سألوه ، فأقاموا يومهم في الدار ، فحمل  
المهتدي  إليهم ما يأكلون . 
وسار  
محمد بن بغا  إلى المحمدية ، وأصبحوا من الغد يطلبون ما سألوه ، فقيل لهم : إن هذا أمر صعب ، وإخراج الأمر عن يد هؤلاء القواد ليس بسهل ، فكيف إذا جمع إليه مطالبتهم بالأموال ؟ فانظروا في أموركم ، فانظروا في أموركم ، فإن كنتم تصبرون على هذا الأمر إلى أن نبلغ غايته ، وإلا فأمير المؤمنين يحسن لكم النظر ، فأبوا إلا ما سألوه ، فدعوا إلى أيمان البيعة على أن يقيموا على هذا القول ، وأن يقاتلوا من قاتلهم ، وينصحوا أمير المؤمنين ، فأجابوا إلى ذلك ، فأخذت عليهم أيمان البيعة . 
ثم كتبوا إلى  
أبي نصر  عن أنفسهم ، وعن  
المهتدي  ينكرون خروجه عن الدار بغير سبب ، وأنهم إنما قصدوا ليشكوا حالهم ، ولما رأوا الدار فارغة أقاموا فيها ، فرجع فحضر عند  
المهتدي  ، فقبل رجله ويده ووقف ، فسأله عن الأموال وما يقوله 
الأتراك  ، فقال : وما أنا والأموال ؟ قال : وهل هي إلا عندك وعند أخيك وأصحابكما ؟ ثم أخذوا بيد  
محمد  وحبسوه ، وكتبوا إلى  
موسى بن بغا  ،  
ومفلح  بالانصراف إلى 
سامرا  ، وتسليم العسكر إلى قواد ذكروهم ، وكتبوا إلى الأتراك الصغار في تسلم العسكر منهما ، وذكروا ما جرى لهم ، وقالوا : إن أجاب  
موسى  ومفلح  إلى ما أمر به من الإقبال إلى 
سامرا  ، وتسليم العسكر ، وإلا فشدوهما وثاقا ، واحملوهم إلى الباب . 
وأجرى  
المهتدي  على من أخذت عليه البيعة كل رجل درهمين ، فلما وصلت الكتب إلى عسكر  
موسى  أخذها  
موسى  ، وقرئت عليه وعلى الناس ، وأخذوا عليهم البيعة بالنصرة   
[ ص: 286 ] لهم ، وساروا نحو 
سامرا  ، فنزلوا عند قنطرة ( الرقيق لإحدى ) عشرة ليلة خلت من رجب ، وخرج  
المهتدي  وعرض الناس . وعاد من يومه ، وأصبح الناس من الغد وقد دخل من أصحاب  
موسى  زهاء ألف فارس ، منهم  
كوبكين  وغيره ، وعاد ، وخرج  
المهتدي  فصف أصحابه ، وفيهم من أتى من أصحاب  
موسى  ، وترددت الرسل بينهم وبين  
موسى     ( يريد أن يولي ) ناحية ينصرف إليها ، وأصحاب  
المهتدي  يريدون أن يجيء إليهم ليناظرهم على الأموال ، فلم يتفقوا على شيء . 
وانصرف عن  
موسى  خلق كثير من أصحابه ، فعدل هو  
ومفلح  يريدان طريق 
خراسان  ، وأقبل  
بايكباك  ، وجماعة من القواد ، فوصلوا إلى  
المهتدي  ، فسلموا ، وأمرهم بالانصراف ، وحبس  
بايكباك  ، وقتله ، ولم يتحرك أحد ، ولا تغير شيء إلا تغيرا يسيرا ، وكان ذلك يوم السبت . 
فلما كان الأحد أنكر الأتراك مساواة الفراغنة لهم في الدار ، ودخولهم معهم ، ورفع أن 
الفراغنة  إنما تم لهم هذا بعدم رؤساء 
الأتراك  ، فخرجوا من الدار بأجمعهم ، وبقيت الدار على 
الفراغنة  ، 
والمغاربة  ، فأنكر 
الأتراك  ذلك ، وأضافوا إليه طلب  
بايكباك  ، فقال  
المهتدي  للفراعنة  والمغاربة  ما جرى من 
الأتراك  ، وقال لهم : إن كنتم تظنون فيكم قوة فما أكره قربكم ، وإلا أرضيناهم من قبل تفاقم الأمر ! فذكروا أنهم يقومون به ، فخرج بهم المهتدي وهم في ستة آلاف ، منهم من الأتراك نحو ألف وهم أصحاب  
صالح بن وصيف  ، وكان 
الأتراك  في عشرة آلاف ، فلما التقوا انهزم أصحاب  
صالح  ، وخرج عليهم كمين 
للأتراك  ، فانهزم أصحاب  
المهتدي  ، وذكر نحو ما تقدم إلا أنه قال إنهم لما رأوا  
المهتدي  بدار  
أحمد بن جميل  قاتلهم ، فأخرجوه ، وكان به أثر طعنة ، فلما رأى الجرح ألقى بيده إليهم ، وأرادوه على خلع ، فأبى أن يجيبهم ، فمات يوم الأربعاء وأظهروه للناس يوم الخميس ، وصلى عليه  
 nindex.php?page=showalam&ids=15636جعفر بن عبد الواحد     . 
وكانوا قد خلعوا أصابع يديه ورجليه من كعبيه ، وفعلوا به غير شيء حتى مات ;   
[ ص: 287 ] وطلبوا  
محمد بن بغا  ، فوجدوه ميتا ، فكسروا على قبره ألف سيف . 
وكانت مدة خلافة  
المهتدي  أحد عشر شهرا وخمس عشرة ليلة ، وكان عمره ثمانيا وثلاثين سنة ، وكان واسع الجبهة ، أسمر ، رقيقا ، أشهل ، جهم الوجه ، عريض البطن ، عريض المنكبين ، قصيرا ، طويل اللحية ، ومولده بالقاطول .