صفحة جزء
ذكر وفاة أماجور ، وملك ابن طولون الشام وطرسوس ، وقتل سيما الطويل

وفي هذه السنة توفي أماجور مقطع دمشق ، وولي ابنه مكانه ، فتجهز ابن طولون ليسير إلى الشام فيملكه ، فكتب إلى ابن أماجور يذكر له أن الخليفة قد أقطعه الشام والثغور ، فأجابه بالسمع والطاعة ، سار أحمد ، واستخلف بمصر ابنه العباس ، فلقيه ابن أماجور ( بالرملة فأقره عليها ، وسار إلى دمشق فملكها وأقر قواد أماجور ) على أقطاعهم ، وسار إلى حمص فملكها ، وكذلك حماة ، وحلب .

وراسل سيما الطويل بأنطاكية يدعوه إلى طاعته ليقره على ولايته ، فامتنع ، فعاوده فلم يطعه ، فسار أحمد بن طولون ، فحصره بأنطاكية ، وكان سيئ السيرة مع أهل البلد ، فكاتبوا أحمد بن طولون ، ودلوه على عورة البلد ، فنصب عليه المجانيق ، وقاتله ، فملك [ ص: 354 ] البلد عنوة ، والحصن الذي له ، وركب سيما ، وقاتل قتالا شديدا حتى قتل ولم يعلم به أحد ، فاجتاز به بعض قواده فرآه قتيلا ، فحمل رأسه إلى أحمد ، فساءه قتله .

ورحل عن أنطاكية إلى طرسوس ، فدخلها وعزم على المقام بها ، وملازمة الغزاة ، فغلا السعر بها ، وضاقت عنه وعن عساكره ، فركب أهلها إليه بالمخيم ، وقالوا له : قد ضيقت بلدنا ، وأغليت أسعارنا ، فإما أقمت في عدد يسير ، وإما ارتحلت عنا ، أغلظوا له في القول ، وشغبوا عليه ، فقال أحمد لأصحابه :

لتنهزموا من الطرسوسيين ، وترحلوا عن البلد ، ليظهر للناس وخاصة العدو أن ابن طولون على بعد صيته وكثرة عساكره لم يقدر على أهل طرسوس ; وانهزم عنهم ليكون أهيب لهم في قلب العدو .

وعاد إلى الشام . فأتاه خبر ولده العباس ، وهو استخلفه بمصر ، وأنه قد عصى عليه ، وأخذ الأموال ، وسار إلى برقة مشاقا لأبيه ، فلم يكترث لذلك ، ولم ينزعج له ، وثبت ، وقضى أشغاله ، وحفظ أطراف بلاده ، وترك بحران عسكرا ، وبالرقة عسكرا مع غلامه لؤلؤ ، وكانت حران لمحمد بن أتامش ، ( وكان شجاعا ) ، فأخرجه عنها وهزمه هزيمة قبيحة .

واتصل خبره بأخيه موسى بن أتامش ، وكان شجاعا بطلا ، فجمع عسكرا كثيرا وسار نحو حران ، وبها عسكر ابن طولون ، ومقدمهم أحمد بن جيعويه ، فلما اتصل به خبر مسير موسى أقلقه ذلك وأزعجه ، ففطن له رجل من الأعراب يقال له أبو الأغر ، فقال له : أيها الأمير ، أراك مفكرا منذ أتاك خبر ابن أتامش ، وما هذا محله ، فإنه طياش قلق ، ولو شاء الأمير أن آتيه به أسيرا لفعلت . فغاظه قوله ، وقال : قد شئت أن تأتي به أسيرا ; قال : فاضمم إلي عشرين رجلا اختارهم ، قال : افعل ، فاختار عشرين رجلا وسار بهم إلى عسكر موسى ، فلما قاربهم كمن بعضهم ، وجعل بينه وبينهم علامة إذا سمعوها ظهروا .

ثم دخل العسكر الباقين في زي الأعراب ، وقارب مضارب موسى ، وقصد خيلا [ ص: 355 ] مربوطة فأطلقها ، وصاح هو وأصحابه فيها فنفرت ، وصاح هو ومن معه من الأعراب ، وأصحاب موسى غارون ، وقد تفرق بعضهم في حوائجهم ، انزعج العسكر ، وركبوا ، وركب موسى ، فانهزم أبو الأغر من بين يديه ، فتبعه حتى أخرجه من العسكر ، وجاز به الكمين ، فنادى أبو الأغر بالعلامة التي بينهم ، فثاروا من النواحي ، وعطف أبو الأغر على موسى فأسروه ، فأخذوه ، وساروا حتى وصلوا إلى ابن جيعويه ، فعجب الناس من ذلك ، وحاروا ، فسيره ابن جيعويه إلى ابن طولون ، فاعتقله ، وعاد إلى مصر ، وكان ذلك في سنة خمسين وستين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية