صفحة جزء
ذكر ولاية أبي العباس صقلية

كان إبراهيم ابن الأمير أحمد أمير إفريقية قد استعمل على صقلية أبا مالك أحمد بن عمر بن عبد الله ، فاستضعفه ، فولى بعده ابنه أبا العباس بن إبراهيم بن أحمد بن الأغلب ، فوصل إليها غرة شعبان من هذه السنة في مائة وعشرين مركبا ، وأربعين حربي ، وحصر طرابلس .

[ ص: 515 ] واتصل خبره بعسكر المسلمين بمدينة بلرم [ وهم ] يقاتلون أهل جرجنت ، فعادوا إلى بلرم ، وأرسلوا جماعة من شيوخهم إليه بطاعتهم ، واعتذروا من قصدهم جرجنت ، ووصل إليه جماعة من أهل جرجنت ، وشكوا منهم وأخبروه أنهم مخالفون عليه ، وأنهم إنما سيروا مشايخهم خديعة ومكرا ، وأنهم لا أيمان لهم ولا عهد ; وإن شئت أن تعلم مصداق هذا فاطلب إليك منهم فلانا وفلانا .

فأرسل إليهم يطلبهم فامتنعوا عن الحضور عنده ، وخالفوا عليه ، وأظهروا ذلك ، فاعتقل الشيوخ الواصلين إليه منهم ، واجتمع أهل بلرم وساروا إليه منتصف شعبان ، ومقدمهم مسعود الباجي ، وأمير السفهاء منهم ركمويه ، وصحبهم ثم أسطول في البحر نحو ثلاثين قطعة ، فهاج البحر على الأسطول ، فعطب أكثره ، وعاد الباقي إلى بلرم .

وأما العسكر الذين في البر فإنهم وصلوا إليه وهو على طرابلس ، فاقتتلوا أشد القتال ، فقتل من الفريقين جماعة وافترقوا ، ثم عاودوا القتال في الثاني والعشرين ، فانهزم أهل بلرم وقت العصر ، وتبعهم أبو العباس إلى بلرم برا وبحرا فعاودوا قتاله عاشر رمضان من بكرة إلى العصر ، فانهزم أهل البلد ، ووقع القتل فيهم إلى المغرب ، واستعمل أبو العباس على أرباضها ، ونهبت الأموال ، وهرب كثير من الرجال والنساء إلى طبرمين ، وهرب ركمويه وأمثاله من رجال الحرب إلى بلاد النصرانية ، كالقسطنطينية وغيرها ، وملك أبو العباس المدينة ، ودخلها ، وأمن أهلها ، وأخذ جماعة من وجوه أهلها فوجههم إلى أبيه بإفريقية .

ثم رحل إلى طبرمين ، فقطع كرومها ، وقاتلهم ، ثم رحل إلى قطانية فحصرها ، فلم ينل منها غرضا ، فرجع إلى المدينة ، وأقام إلى أن دخلت سنة ثمان وثمانين ومائتين فتجهز للغزو ، وطاب الزمان ، وعمر الأسطول وسيره أول ربيع الآخر ونزل على دمنش ، ونصب عليها المجانيق ، وأقام أياما .

ثم انصرف إلى مسيني ، وجاز في الحربية إلى ريو ، وقد اجتمع بها كثير من الروم ، فقاتلهم على باب المدينة ، وهزمهم ، ( وملك المدينة ) بالسيف في رجب ، [ ص: 516 ] وغنم من الذهب والفضة ما لا يحد ، وشحن المراكب بالدقيق ، والأمتعة ، ورجع إلى مسيني وهدم سورها ، ووجد بها مراكب قد وصلت من القسطنطينية ، فأخذ منها ثلاثين مركبا ورجع إلى المدينة ، وأقام إلى سنة تسع وثمانين [ ومائتين ] ، فأتاه كتاب أبيه إبراهيم يأمره بالعود إلى إفريقية ، فرجع إليها جريدة في خمس قطع شواني ، وترك العسكر مع ولديه أبي مضر ، وأبي معد .

فلما وصل إلى إفريقية استخلفه أبوه بها ، وسار هو إلى صقلية مجاهدا ، عازما على الحج بعد الجهاد ، فوصلها في رجب سنة سبع وثمانين ومائتين .

وقد ذكرنا خبره سنة إحدى وستين ومائتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية