صفحة جزء
ذكر قتل أسفار

كان في أصحاب أسفار قائد من أكبر قواده يقال له مرداويج بن زيار الديلمي ، فأرسله إلى سلار صاحب شميران الطرم يدعوه إلى طاعته ، وسلار هذا هو الذي صار ولده فيما بعد صاحب أذربيجان وغيرها ، فلما وصل مرداويج إليه تشاكيا ما كان الناس فيه من الجهد والبلاء ، فتحالفا ، وتعاقدا على قصده ، والتساعد على حربه .

وكان أسفار قد وصل إلى قزوين ، وهو ينتظر وصول مرداويج بجوابه ، فكتب مرداويج إلى جماعة من القواد يثق بهم يعرفهم ما اتفق هو وسلار عليه ، فأجابوه إلى ذلك ، وكان الجند قد سئموا أسفارا لسوء سيرته ، وظلمه ، وجوره ، وكان في جملة من أجاب إلى مساعدة مرداويج مطرف بن محمد ، وزير أسفار ، وسار مرداويج وسلار نحو أسفار ، وبلغه الخبر ، وأن أصحابه قد بايعوا مرداويج ، فأحس بالشر ، وكان ذلك عقيب حادثته مع أهل قزوين ودعائهم ، وثار الجند بأسفار ، فهرب منهم في جماعة من غلمانه وورد الري ، فأراد أن يأخذ من مال كان ( عند [ ص: 731 ] نائبه ) بها شيئا ، فلم يعطه غير خمسة آلاف دينار ، وقال له : أنت أمير ولا يعوزك مال ، فتركه وانصرف إلى خراسان ، فأقام بناحية بيهق .

وأما مرداويج فإنه عاد من قزوين نحو الري ، وكتب إلى ماكان بن كالي ، وهو بطبرستان ، يستدعيه ليتساعدا ويتعاضدا ، فسرى ماكان بن كالي إلى أسفار ، وكان قد عسف أهل الناحية التي هو بها ، فلما أحس بماكان سار إلى بست ، وركب المفازة نحو الري ليقصد قلعة ألموت التي بها أهله وأمواله ، فانقطع عنه بعض أصحابه ، وقصد مرداويج فأعلمه خبره ، فخرج مرداويج من ساعته في أثره ، وقدم بعض قواده بين يديه ، فلحقه ذلك القائد وقد نزل يستريح ، فسلم عليه بالإمرة ، فقال له أسفار : لعلكم اتصل بكم خبري وبعثت في طلبي ؟ ( قال : نعم ) ! فبكى أصحابه ، فأنكر عليهم أسفار ذلك ، وقال : بمثل هذه القلوب تتجندون ! أما علمتم أن الولايات مقرونة بالبليات ؟

ثم أقبل على ذلك القائد وهو يضحك ، وسأله عن قواده الذين أسلموه وخذلوه ، فأخبره أن مرداويج قتلهم ، فتهلل وجهه وقال : كانت حياة هؤلاء غصة في حلقي ، وقد طابت الآن نفسي ، فامض في ما أمرت به ، وظن أنه أمر بقتله ، فقال : ما أمرت فيك بسوء ، وحمله إلى مرداويج ، فسلمه إلى جماعة أصحابه ليحمله إلى الري ، فقال له بعض أصحابه : إن أكثر ( من معك ) كانوا أصحاب هذا ، فانحرفوا عنه إليك ، ( وقد [ ص: 732 ] أوحشت أكثرهم بقتل قوادهم ) فما يؤمنك أن يرجعوا إليه غدا ويقبضوا عليك ؟ فحينئذ أمر بقتله وانصرف إلى الري .

وقيل في قتله : إنه لما عاد نحو قلعة ألموت نزل في واد هناك يستريح ، فاتفق أن مرداويج خرج يتصيد ، ويسأل عن أخباره ، فرأى خيلا يسيرة في واد هناك ، فأرسل بعض أصحابه ليأخذ خبرها ، فرأوا أسفار بن شيرويه في عدة يسيرة من أصحابه ، يريد الحصن ليأخذ ما له فيه ويستعين به على جمع الجيوش ، ويعود إلى محاربة مرداويج ، فأخذوه ومن معه ، وحملوه إلى مرداويج ، فلما رآه نزل إليه فذبحه .

واستقر أمر مرداويج في البلاد ، وعاد إلى قزوين بعد قتل أسفار ، فأحسن إلى أهلها ، ووعدهم الجميل .

وقيل : بل دخل أسفار إلى رحى ، وقد نال منه الجوع ، فطلب من الطحان شيئا يأكله ، فقدم له خبزا ولبنا ، فأكل منه هو وغلام له ليس معه غيره ، فأقبل مرداويج إلى تلك الناحية ، فأشرف على الرحى فرأى حوافر الدواب ، فسأل عنها ، فقيل له : قد دخل فارسان إلى هذه الرحى ، فكبس مرداويج الرحى ، فرآه وقتله .

التالي السابق


الخدمات العلمية