[ ص: 736 ]   317 
ثم دخلت سنة سبع عشرة وثلاثمائة 
ذكر خلع  
المقتدر  
في هذه السنة 
خلع  المقتدر بالله  من الخلافة ، وبويع أخوه   nindex.php?page=showalam&ids=14964القاهر بالله محمد بن المعتضد  ، فبقي يومين ثم أعيد  
المقتدر     . 
وكان سبب ذلك ما ذكرنا في السنة التي قبلها من استيحاش  
مؤنس  ونزوله 
بالشماسية  ، وخرج إليه  
نازوك  ، صاحب الشرطة ، في عسكره ، وحضر عنده  
أبو الهيجاء بن حمدان     ( في عسكره ) ، من 
بلد الجبل  ،  
وبني بن نفيس  ، وكان  
المقتدر  قد أخذ منه 
الدينور  ، فأعادها إليه  
مؤنس  عند مجيئه إليه . 
وجمع  
المقتدر  عنده في داره ،  
هارون بن غريب  ،  
وأحمد بن كيغلغ  ، والغلمان الحجرية ، والرجالة المصافية ، وغيرهم ، فلما كان آخر النهار ذلك اليوم انفض أكثر من عند  
المقتدر  ، وخرجوا إلى  
مؤنس  ، وكان ذلك أوائل المحرم . 
ثم كتب  
مؤنس  إلى  
المقتدر  رقعة يذكر فيها أن الجيش عاتب منكر للسرف فيما يطلق باسم الخدم والحرم من الأموال والضياع ، ولدخولهم في الرأي وتدبير المملكة ، ويطالبون بإخراجهم من الدار ، وأخذ ما في أيديهم من الأموال والأملاك ، وإخراج  
هارون بن غريب  من الدار .  
[ ص: 737 ] فأجابه  
المقتدر  أنه يفعل من ذلك ما يمكنه فعله ، ويقتصر على ما لا بد له منه ، واستعطفهم ، وذكرهم بيعته في أعناقهم مرة بعد أخرى ، وخوفهم عاقبة النكث ، وأمر هارون بالخروج من 
بغداذ  ، وأقطعه الثغور الشامية والجزرية ، وخرج من 
بغداذ  تاسع المحرم من هذه السنة ، ( وراسلهم  
المقتدر     ) ، وذكرهم نعمه عليهم وإحسانه إليهم ، وحذرهم كفر إحسانه ، والسعي في الشر والفتنة . 
فلما أجابهم إلى ذلك دخل  
مؤنس  وابن حمدان  ونازوك  إلى 
بغداذ  ، وأرجف الناس بأن  
مؤنسا  ومن معه قد عزموا على خلع  
المقتدر  وتولية غيره ، فلما كان الثاني عشر من المحرم خرج  
مؤنس  والجيش إلى باب الشماسية ، فتشاوروا ساعة ، ثم رجعوا إلى دار الخليفة بأسرهم ، فلما ( زحفوا إليها ) ، وقربوا منها ، هرب  
المظفر بن ياقوت  ، وسائر الحجاب والخدم وغيرهم ، والفراشون ، وكل من في الدار ، وكان الوزير  
أبو علي بن مقلة  حاضرا ، فهرب ودخل  
مؤنس  والجيش دار الخليفة ، وأخرج  
المقتدر  ، ووالدته ، وخالته ، وخواص جواريه ، وأولاده ، من دار الخلافة ، وحملوا إلى دار  
مؤنس  ، فاعتقلوا بها . 
وبلغ الخبر  
هارون بن غريب  ، وهو 
بقطربل  ، فدخل 
بغداذ  واستتر ، ومضى  
ابن حمدان  إلى دار  
 nindex.php?page=showalam&ids=13312ابن طاهر  ، فأحضر  
محمد بن المعتضد  ، وبايعوه بالخلافة ، ولقبوه  
القاهر بالله  ، وأحضروا  
القاضي أبا عمر  عند  
المقتدر  ليشهد عليه بالخلع ، وعنده  
مؤنس  ،  
ونازوك  ،  
وابن حمدان  ،  
وبني بن نفيس  ، فقال  
مؤنس  للمقتدر  ليخلع نفسه من الخلافة ، فأشهد عليه القاضي بالخلع ، فقام  
ابن حمدان  ، وقال  
للمقتدر     : يا سيدي يعز علي أن أراك على هذه الحال ، وقد كنت أخافها عليك ، وأحذرها ، وأنصح لك ، وأحذرك عاقبة القبول من الخدم ، والنساء ، فتؤثر أقوالهم على قولي ، وكأني كنت أرى هذا ، وبعد فنحن عبيدك وخدمك . 
ودمعت عيناه وعينا  
المقتدر  ، وشهد الجماعة على  
المقتدر  بالخلع ، وأودعوا الكتاب   
[ ص: 738 ] بذلك عند القاضي  
أبي عمر  ، فكتمه ولم يظهر عليه أحدا ، فلما عاد  
المقتدر  إلى الخلافة سلمه إليه ، وأعلمه أنه لم يطلع عليه غيره ، فاستحسن ذلك منه ، وولاه قضاء القضاة . 
ولما استقر الأمر  
للقاهر  أخرج  
مؤنس  المظفر علي بن عيسى  من الحبس ، ورتب  
أبا علي بن مقلة  في الوزارة ، وأضاف إلى  
نازوك  مع الشرطة حجب الخليفة ، وكتب إلى البلاد بذلك ، وأقطع  
ابن حمدان  ، مضافا إلى ما بيده من أعمال طريق 
خراسان  ، 
حلوان  ، 
والدينور  ، 
وهمذان  ، 
وكنكور  ، 
وكرمان  ، 
وشاهان  ، 
والراذنات  ، 
ودقوقا  ، 
وخانيجار  ، 
ونهاوند  ، 
والصيمرة  ، 
والسيروان  ، 
وماسبذان  وغيرها ، ونهبت دار الخليفة ، ومضى  
بني بن نفيس  إلى تربة لوالدة  
المقتدر  ، فأخرج من قبر فيها ستمائة ألف دينار ، وحملها إلى دار الخليفة . 
وكان خلع  
المقتدر  النصف من المحرم ، ثم سكن النهب ، وانقطعت الفتنة ، ولما تقلد  
نازوك  حجبة الخليفة أمر الرجالة المصافية بقلع خيامهم من دار الخليفة ، وأمر رجاله وأصحابه أن يقيموا بمكان المصافية ، فعظم ذلك عليهم ، وتقدم إلى خلفاء الحجاب أن لا يمكنوا أحدا من الدخول إلى دار الخليفة ، إلا من له مرتبة ، فاضطربت الحجبة من ذلك .