صفحة جزء
ذكر عزل الكلوذاني ووزارة الحسين بن القاسم

في هذه السنة عزل أبو القاسم الكلوذاني عن وزارة الخليفة ووزر الحسين بن القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب .

وكان سبب ذلك أنه كان ببغداذ إنسان يعرف بالدانيالي ، وكان زراقا ، ذكيا محتالا ، وكان يعتق الكاغد ، ويكتب فيه بخطه ما يشبه الخط العتيق ، ويذكر فيه إشارات ورموزا يودعها أسماء أقوام من أرباب الدولة ، فيحصل له بذلك رفق كثير .

[ ص: 761 ] فمن جملة ما فعله أنه وضع في جملة كتاب : ميم ميم ميم ، يكون منه كذا وكذا ، وأحضره عند ( مفلح وقال : هذا كناية عنك ، فإنك ) مفلح مولى المقتدر ، وذكر له علامات تدل عليه ، فأغناه ، ( فتوصل الحسين بن القاسم معه ، حتى جعل اسمه في كتاب وضعه ) وعتقه ، وذكر فيه علامة وجهه ، وما فيه من الآثار ، ويقول إنه يزر للخليفة الثامن عشر من خلفاء بني العباس ، وتستقيم الأمور على يديه ، ويقهر الأعادي ، وتتعمر الدنيا في أيامه ، وجعل هذا كله في جملة كتاب ذكر فيه حوادث قد وقعت ، وأشياء لم تقع بعد ، ونسب ذلك إلى دانيال ، وعتق الكتاب وأخذه وقرأه على مفلح ، فلما رأى ذلك أخذ الكتاب وأحضره عند المقتدر ، وقال له : أتعرف في الكتاب من هو بهذه الصفة ؟ فقال : ما أعرفه إلا الحسين بن القاسم ، فقال : صدقت وإن قلبي ليميل إليه ، فإن جاءك منه رسول برقعة فاعرضها علي ، واكتم حاله ولا تطلع على أمره أحدا .

وخرج مفلح إلى الدانيالي فسأله : هل تعرف أحدا من الكتاب بهذه الصفة ؟ فقال : لا أعرف أحدا ، قال : فمن أين وصل إليك هذا الكتاب ؟ فقال : من أبي ، وهو ورثه من آبائه ، وهو من ملاحم دانيال ، عليه السلام ، فأعاد ذلك على المقتدر ، فقبله ، فعرف الدانيالي ذلك الحسين بن القاسم ، فلما أعلمه كتب رقعة إلى مفلح ، فأوصلها إلى المقتدر ، ووعده الجميل ، وأمره بطلب الوزارة وإصلاح مؤنس الخادم ، فكان ذلك من أعظم الأسباب في وزارته مع كثرة الكارهين له .

ثم اتفق أن الكلوذاني عمل حسبة بما يحتاج إليه من النفقات ، وعليها خط أصحاب الديوان ، فبقي محتاجا إلى سبعمائة ألف دينار ، وعرضها على المقتدر ، وقال : ليس لهذه جهة إلا ما يطلقه أمير المؤمنين لأنفقه ، فعظم ذلك على المقتدر .

وكتب الحسين بن القاسم لما بلغه ذلك يضمن جميع النفقات ، ولا يطالبه بشيء من بيت المال ، وضمن أنه يستخرج سوى ذلك ألف ألف دينار يكون في بيت [ ص: 762 ] المال ، فعرضت رقعته على الكلوذاني فاستقال ، وأذن في وزارة الحسين ، ومضى الحسين إلى بليق ، وضمن له مالا ليصلح له قلب مؤنس ، ففعل ، فعزل الكلوذاني في رمضان ، ( وتولى الحسين الوزارة ) لليلتين بقيتا من رمضان أيضا ، وكانت ولاية الكلوذاني شهرين وثلاثة أيام ، واختص بالحسين بنو البريدي وابن قرابة ، وشرط أن لا يطلع معه علي بن عيسى ، فأجيب إلى ذلك ، ( وشرع في إخراجه من بغداذ ، فأجيب إلى ذلك ) ، فأخرج إلى الصافية .

التالي السابق


الخدمات العلمية