صفحة جزء
ذكر استيلاء مؤنس على الموصل

قد ذكرنا مسير مؤنس إلى الموصل فلما سمع الحسين الوزير بمسيره كتب إلى سعيد ، وداود ابني حمدان ، وإلى ابن أخيهما ناصر الدولة بن عبد الله بن حمدان ، يأمرهم بمحاربة مؤنس ، وصده عن الموصل .

[ ص: 768 ] وكان مؤنس كتب في طريقه إلى رؤساء العرب يستدعيهم ، ويبذل لهم الأموال والخلع ، ويقول لهم : إن الخليفة قد ولاه الموصل وديار ربيعة .

واجتمع بنو حمدان على محاربة مؤنس ، إلا داود بن حمدان فإنه امتنع من ذلك لإحسان مؤنس إليه ، فإنه كان قد أخذه ( بعد أبيه ) ، ورباه في حجره ، وأحسن إليه إحسانا عظيما ، فلما امتنع من محاربته لم يزل به إخوته حتى وافقهم على ذلك ، وذكروا له إساءة الحسين وأبي الهيجاء ابني حمدان إلى المقتدر مرة بعد مرة ، وأنهم يريدون أن يغسلوا تلك السيئة ، ولما أجابهم قال لهم : والله إنكم لتحملونني على البغي ، وكفران الإحسان ، وما آمن أن يجيئني سهم عاثر فيقع في نحري فيقتلني ، فلما التقوا أتاه سهم كما وصف فقتله .

وكان مؤنس إذا قيل له : إن داود عازم على قتالك ، ينكره ويقول : كيف يقاتلني وقد أخذته طفلا وربيته في حجري ولما قرب مؤنس من الموصل كان في ثمانمائة فارس ، واجتمع بنو حمدان في ثلاثين ألفا ، والتقوا واقتتلوا ، فانهزم بنو حمدان ، ولم يقتل منهم غير داود ، وكان يلقب بالمجفجف وفيه يقول بعض الشعراء ، ( وقد هجا أميرا ) :


لو كنت في ألف ألف كلهم بطل مثل المجفجف داود بن حمدان     وتحتك الريح تجري حيث تأمرها
وفي يمينك سيف غير خوان     لكنت أول فرار إلى عدن
إذا تحرك سيف من خراسان



وكان داود هذا من أشجع الناس ، ودخل مؤنس الموصل ثالث صفر واستولى على أموال بني حمدان وديارهم ، [ ص: 769 ] فخرج إليه كثير من العساكر من بغداذ ، والشام ، ومصر ، من أصناف الناس لإحسانه [ الذي ] كان إليهم ، ( وعاد إليه ناصر الدولة بن حمدان ، فصار معه ، وأقام بالموصل تسعة أشهر وعزم على الانحدار إلى بغداد .

التالي السابق


الخدمات العلمية