صفحة جزء
ذكر استيلاء لشكري على أذربيجان وقتله

وفيها تغلب لشكري بن مردى على أذربيجان ، ولشكري هذا أعظم من الذي تقدم ذكره ، فإن هذا كان خليفة وشمكير على أعمال الجبل ، فجمع مالا ورجالا وسار إلى أذربيجان ، وبها يومئذ ديسم بن إبراهيم الكردي ، وهو من أصحاب ابن أبي الساج ، فجمع عسكرا وتحارب هو ولشكري ، ( فانهزم ديسم ، ثم عاد وجمع ) ، وتصافا ( مرة ثانية ) ، فانهزم أيضا واستولى لشكري على بلاده إلا أردبيل ، فإن أهلها امتنعوا بها لحصانتها ، ولهم بأس ونجدة ، وهي دار المملكة بأذربيجان ، فراسلهم لشكري ، ووعدهم الإحسان لما كان يبلغهم من سوء سيرة الديلم مع بلاد الجبل همذان وغيرها ، فحصرهم وطال الحصار ، ثم صعد أصحابه السور ونقبوه أيضا في عدة مواضع ودخلوا البلد .

وكان لشكري يدخله نهارا ، ويخرج منه ليلا إلى عسكره ، فبادر أهل البلد وأصلحوا ثلم السور ، وأظهروا العصيان ، وعاودوا الحرب ، فندم على التفريط وإضاعة الحزم ، فأرسل أهل أردبيل إلى ديسم يعرفونه الحال ويواعدونه يوما يجيء فيه ليخرجوا فيه إلى [ ص: 75 ] قتال لشكري ، ويأتي هو من ورائه ، ففعل وسار نحوهم ، وظهروا يوم الموعد في عدد كثير ، وقاتلوا لشكري ، وأتاه ديسم من خلف ظهره ، فانهزم أقبح هزيمة ، وقتل من أصحابه خلق كثير ، وانحاز إلى موقان ، فأكرمه أصبهبذها ويعرف بابن دولة ، ( وأحسن ضيافته .

وجمع لشكري وسار نحو ديسم ، وساعده ابن دولة ) ، فهرب ديسم ( وعبر نهر أرس ، وعبر بعض أصحاب لشكري إليه ، فانهزم ديسم ) ، وقصد وشمكير ، وهو بالري ، وخوفه من لشكري ، وبذل له مالا كل سنة ليسير معه عسكرا ، فأجابه إلى ذلك وسير معه عسكرا ، وكاتب عسكر لشكري وشمكير يعلمونه بما هم عليه من طاعته ، وأنهم متى رأوا عسكره صاروا معه على لشكري ، فظفر لشكري بالكتب ، فكتم ذلك عنهم ، فلما قرب منه عسكر وشمكير ، جمع أصحابه وأعلمهم ذلك وأنه لا يقوى بهم ، وأنه يسير بهم نحو الزوزان ، وينهب من على طريقه من الأرمن ، ويسير نحو الموصل ويستولي عليها وعلى غيرها ، فأجابوه إلى ذلك ، فسار بهم إلى أرمينية وأهلها غافلون ، فنهب وغنم وسبى ، وانتهى إلى الزوزان ومعهم الغنائم ، فنزل بولاية إنسان أرمني ، وبذل له مالا ليكف عنه وعن بلاده ، فأجابه إلى ذلك .

ثم إن الأرمني كمن كمينا في مضيق هناك ، وأمر بعض الأرمن أن ينهب شيئا من أموال لشكري ويسلك ذلك المضيق ، ففعلوا ، وبلغ الخبر إلى لشكري ، فركب في خمسة أنفس ، فسار وراءهم ، فخرج عليه الكمين فقتلوه ومن معه ، ولحقه عسكره ، فرأوه قتيلا ومن معه ، فعادوا وولوا عليهم ابنه لشكرستان ، واتفقوا على أن يسيروا على عقبة التنين ، وهي تجاوز الجودي ، ويحرزوا سوادهم ، ويرجعوا إلى بلد طرم الأرمني فيدركوا آثارهم ، فبلغ ذلك طرم ، فرتب الرجال على تلك المضايق يرمونهم بالحجارة ، ويمنعونهم العبور ، فقتلوا منهم خلقا كثيرا ، وسلم القليل منهم ، وفيمن سلم لشكرستان ، وسار فيمن معه إلى ناصر الدولة بن حمدان بالموصل ، فأقام بعضهم عنده وانحدر بعضهم إلى بغداذ .

[ ص: 76 ] فأما الذين أقاموا بالموصل ، فسيرهم مع ابن عم أبي عبد الله الحسين بن سعيد بن حمدان إلى ما بيده من أذربيجان لما أقبل نحوه ديسم ( ليستولي عليه ) ، وكان أبو عبد الله من قبل ابن عمه ناصر الدولة على معاون أذربيجان ، فقصده ديسم وقاتله ، فلم يكن لابن حمدان به طاقة ، ففارق أذربيجان ، واستولى عليها ديسم .

التالي السابق


الخدمات العلمية