صفحة جزء
ذكر عود ابن رائق إلى بغداذ

في هذه السنة عاد ( أبو بكر ) محمد بن رائق من الشام إلى بغداذ ، وصار أمير الأمراء .

وكان سبب ذلك أن الأتراك البجكمية لما ساروا إلى الموصل ، لم يروا عند ابن حمدان ما يريدون ، فساروا نحو الشام إلى ابن رائق ، وكان فيهم من القواد توزون ، وخجخج ، ونوشتكين ، وصيغون ، فلما وصلوا إليه ، أطمعوه في العود إلى العراق ، ثم وصلت إليه كتب المتقي يستدعيه ، فسار من دمشق في العشرين من رمضان ، واستخلف على الشام أبا الحسن أحمد بن علي بن مقاتل ، فلما وصل إلى الموصل ، تنحى عن طريقه ناصر الدولة بن حمدان ، فتراسلا ، واتفقا على أن يتصالحا ، وحمل ابن حمدان إليه مائة ألف دينار ، وسار ابن رائق إلى بغداذ ، فقبض كورتكين على القراريطي الوزير ، واستوزر أبا [ ص: 97 ] جعفر محمد بن القاسم الكرخي في ذي القعدة ، وكانت وزارة القراريطي ثلاثة وأربعين يوما .

وبلغ خبر ابن رائق إلى أبي عبد الله البريدي ، فسير إخوته إلى واسط فدخلوها ، وأخرجوا الديلم عنها ، وخطبوا له بواسط ، وخرج كورتكين عن بغداذ إلى عكبرا ، ووصل إليه ابن رائق ، فوقعت الحرب بينهم ، واتصلت عدة أيام .

فلما كان ليلة الخميس لتسع بقين من ذي الحجة ، سار ابن رائق ليلا من عكبرا هو وجيشه ، فأصبح ببغداذ فدخلها من الجانب الغربي هو وجميع جيشه ، ونزل في النجمي ، وعبر من الغد إلى الخليفة فلقيه ، وركب المتقي لله معه في دجلة ، ثم عاد ووصل هذا اليوم بعد الظهر كورتكين مع جميع جيشه من الجانب الشرقي ، وكانوا يستهزئون بأصحاب ابن رائق ، ويقولون : أين نزلت هذه القافلة الواصلة من الشام ؟ ونزلوا بالجانب الشرقي .

ولما دخل كورتكين بغداذ أيس ابن رائق من ولايتها ، فأمر بحمل أثقاله والعود إلى الشام ، فرفع الناس أثقالهم ، ثم إنه عزم ( أن يناوشهم ) شيئا من قتال قبل مسيره ، فأمر طائفة من عسكره أن يعبروا دجلة ويأتوا الأتراك من ورائهم ، ثم إنه ركب في سميرية ، وركب معه عدة من أصحابه في عشرين سميرية ، ووقفوا يرمون الأتراك بالنشاب ، ووصل أصحابه وصاحوا من خلفهم ، واجتمعت العامة مع أصحاب ابن رائق يضجون ، فظن كورتكين أن العسكر قد جاءه من خلفه ومن بين يديه ، فانهزم هو وأصحابه ، واختفى هو ، ورجمهم العامة بالآجر وغيره .

وقوي أمر ابن رائق ، وأخذ من استأمن إليه من الديلم فقتلهم عن آخرهم ، وكانوا نحو أربعمائة ، فلم يسلم منهم غير رجل واحد اختفى بين القتلى ، وحمل معهم في الجواليق ، وألقي في دجلة فسلم وعاش بعد ذلك دهرا ، وقتل الأسرى من قواد الديلم ، وكانوا بضعة عشر رجلا .

[ ص: 98 ] وخلع المتقي على ابن رائق ، وجعله أمير الأمراء ، وأمر جعفر الكرخي بلزوم بيته ، وكانت وزارته ثلاثة وثلاثين يوما ، واستولى أحمد الكوفي على الأمر فدبره ، ثم ظفر ابن رائق بكورتكين فحبس بدار الخليفة .

التالي السابق


الخدمات العلمية