صفحة جزء
[ ص: 345 ] ذكر مسير عضد الدولة إلى العراق

في هذه السنة تجهز عضد الدولة وسار يطلب العراق لما كان يبلغه عن بختيار وابن بقية من استمالة أصحاب الأطراف كحسنويه الكردي ، وفخر الدولة بن ركن الدولة ، وأبي تغلب بن حمدان ، وعمران بن شاهين ، وغيرهم والاتفاق على معاداته ، ولما كانا يقولانه من الشتم القبيح له ، ولما رأى من حسن العراق وعظم مملكته غير ذلك .

وانحدر بختيار إلى واسط على عزم محاربة عضد الدولة ، وكان حسنويه وعده أنه يحضر بنفسه لنصرته ، وكذلك أبو تغلب بن حمدان ، فلم يف له واحد منهما .

ثم سار بختيار إلى الأهواز ، أشار بذلك ابن بقية ، وسار عضد الدولة من فارس نحوهم ، فالتقوا في ذي القعدة واقتتلوا ، فخامر على بختيار بعض عسكره ، وانتقلوا إلى عضد الدولة ، فانهزم بختيار ، وأخذ ماله ومال ابن بقية ، ونهبت الأثقال وغيرها ، ولما وصل بختيار إلى واسط حمل إليه ابن شاهين صاحب البطيحة مالا ، وغير ذلك من الهدايا النفيسة ، ودخل بختيار إليه ، فأكرمه ، وحمل مالا جليلا ، وأعلاقا نفيسة ، وعجب الناس من قول عمران : إن بختيار سيدخل منزلي وسيستجير بي ، فكان كما ذكر ، ثم أصعد بختيار إلى واسط .

وأما عضد الدولة فإنه سير إلى البصرة جيشا فملكوها . وسبب ذلك أن أهلها اختلفوا ، وكانت مضر تهوى عضد الدولة ، وتميل إليه لأسباب قررها معهم ، وخالفتهم ربيعة ، ومالت إلى بختيار ، فلما انهزم ضعفوا ، وقويت مضر ، وكاتبوا عضد الدولة ، وطلبوا منه إنفاذ جيش إليهم ، فسير جيشا تسلم البلد وأقام عندهم .

وأقام بختيار بواسط ، وأحضر ما كان له ببغداذ والبصرة من مال وغيره ففرقه ( في أصحابه ) ، ثم إنه قبض على ابن بقية لأنه اطرحه واستبد بالأمور دونه ، وجبى الأموال إلى نفسه ، ولم يوصل إلى بختيار منها شيئا ، وأراد أيضا التقرب إلى عضد الدولة بقبضه لأنه هو الذي كان يفسد الأحوال بينهم .

ولما قبض عليه أخذ أمواله ففرقها ، وراسل عضد الدولة في الصلح ، وترددت الرسل بذلك ، وكان أصحاب بختيار يختلفون عليه ، فبعضهم يشير به ، وبعضهم ينهى عنه ، ثم إنه أتاه عبد الرزاق وبدر ابنا حسنويه في نحو ألف فارس معونة له ، فلما وصلا إليه أظهر المقام بواسط ومحاربة عضد الدولة . فاتصل بعضد الدولة أنه نقض الشرط ، ثم بدا لبختيار في [ ص: 346 ] المسير ، فسار إلى بغداذ ، فعاد عنه ابنا حسنويه إلى أبيهما ، وأقام بختيار ببغداذ وانقضت السنة وهو بها ، وسار عضد الدولة إلى واسط ، ثم سار منها إلى البصرة ، فأصلح بين ربيعة ومضر ، وكانوا في الحروب والاختلاف نحو مائة وعشرين سنة .

ومن عجيب ما جرى لبختيار في هذه الحادثة أنه كان له غلام تركي يميل إليه ، فأخذ في جملة الأسرى ، وانقطع خبره عن بختيار ، فحزن لذلك ، وامتنع من لذاته والاهتمام بما رفع إليه من زوال ملكه وذهاب نفسه ، حتى قال على رءوس الأشهاد : إن فجيعتي بهذا الغلام أعظم من فجيعتي بذهاب ملكي ، ثم سمع أنه في جملة الأسرى ، فأرسل إلى عضد الدولة يبذل له ما أحب في رده إليه ، فأعاده عليه ، وسارت هذه الحادثة عنه ، فازداد فضيحة وهوانا عند الملوك وغيرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية