صفحة جزء
ذكر مسير باديس إلى زناتة

في هذه السنة ، منتصف صفر ، أمر باديس بن المنصور ، صاحب إفريقية ، نائبه محمد بن أبي العرب بالتجهز والاستكثار من العساكر والعدد ، والمسير إلى زناتة .

وسبب ذلك أن عمه يطوفت كتب إليه يعلمه أن زيري بن عطية الملقب بالقرطاس ، وقد تقدم ذكره ، نزل عليه بتاهرت محاربا ، فأمر محمدا بالتجهز إليه ، فسار في عساكر كثيرة حتى وصل إلى أشير ، وبها حماد بن يوسف عم باديس ، كان قد أقطعه إياها باديس ، فرحل حماد معه ، فوصل إلى تاهرت ، واجتمعا بيطوفت ، وبينهم وبين زيري بن عطية مرحلتان ، فزحفوا إليه ، فكانت بينهما حروب عظيمة .

وكان أكثر عسكر حماد يكرهونه لقلة عطائه ، فلما اشتد القتال انهزموا ، فتبعهم جميع العسكر ، فأراد محمد بن أبي العرب أن يرد الناس ، فلم يقدر على ذلك ، وتمت الهزيمة ، وملك زيري بن عطية مالهم وعددهم ورجعت العساكر إلى أشير .

وبلغ خبر الهزيمة إلى باديس ، فرحل ، فلما قارب طبنة بعث في طلب فلفل بن سعيد ، فخاف فأرسل يعتذر إليه ، وطلب عهدا بإقطاع مدينة طبنة ، فكتب له ، وسار باديس ، فلما أبعد قصد فلفل مدينة طبنة ، وغلب على ما حولها ، وقصد باغاية فحصرها ، وباديس سائر إلى أشير . فلما سمع زيري بن عطية بأنه قد قرب منه رحل إلى تاهرت ، فقصده باديس ، فسار زيري إلى العرب . فلما سمع باديس برحيله استعمل عمه يطوفت على أشير ، وأعطاه أموالا وعددا ، وعاد إلى أشير ، فبلغه ما [ ص: 509 ] فعل فلفل بن سعيد ، فأرسل إليه العساكر ، وبقي يطوفت ومعه أعمامه وأولاد أعمامه ، فلما أبعد عنهم باديس عصوا ، وخالفوا عليه ، منهم ماكسن ، وزاوي وغيرهما ، وقبضوا على يطوفت ، وأخذوا جميع ما معه من المال ، فهرب من أيديهم وعاد إلى باديس .

وأما فلفل بن سعيد فإنه لما وصل إليه العسكر ( المسير إلى قتاله لقيهم ) وقاتلهم وهزمهم ، وقتل فيهم ، وسار يطلب القيروان . فسار عند ذلك باديس إلى باغاية ، فلقيه أهلها ، فعرفوه ما قاسوه من قتال فلفل ، وأنه حصرهم خمسة وأربعين يوما ، فشكرهم ، ووعدهم الإحسان ، وسار يطلب فلفلا ، فوصل إلى مرمجنة ، وسار فلفل إليه في جمع كثير من البربر وزناتة ، ومعه كل من في نفسه حقد على باديس وأهل بيته ، فالتقوا بوادي أغلان وكان بينهم حرب عظيمة لم يسمع بمثلها ، وطال القتال بينهم ، وصبر الفريقان ، ثم أنزل الله تعالى نصره على باديس وصنهاجة ، وانهزم البربر وزناتة هزيمة قبيحة ، وانهزم فلفل فأبعد في الهزيمة ، وقتل من زويلة تسعة آلاف قتيل سوى من قتل من البربر ، وعاد باديس إلى قصره ، وفرح أهل القيروان لأنهم خافوا أن يأتيهم فلفل .

ثم إن عمومة باديس اتصلوا بفلفل ، وصاروا معه على باديس ، فلما سمع باديس بذلك سار إليهم ، فلما وصل قصر الإفريقي وصله أن عمومته فارقوا فلفلا ، ولم يبق معه سوى ماكسن بن زيري ، وذلك أول سنة تسعين وثلاثمائة .

التالي السابق


الخدمات العلمية