صفحة جزء
[ ص: 512 ] 390

ثم دخلت سنة تسعين وثلاثمائة

ذكر خروج إسماعيل بن نوح وما جرى له بخراسان

في هذه السنة خرج أبو إبراهيم إسماعيل بن نوح من محبسه ، وكان قد حبسه أيلك الخان لما ملك بخارى مع جماعة من أهله .

وسبب خلاصه أنه كانت تأتيه جارية تخدمه ، وتتعرف أحواله ، فلبس ما كان عليها وخرج ، فظنه الموكلون الجارية فلما خرج استخفى عند عجوز من أهل بخارى ، فلما سكن الطلب عنه سار من بخارى إلى خوارزم ، وتلقب المنتصر ، واجتمع إليه بقايا القواد السامانية والأجناد ، فكثف جمعه ، وسير قائدا من أصحابه في عسكر إلى بخارى ، فبيت من بها من أصحاب أيلك الخان ، فهزمهم وقتل منهم ، وكبس جماعة من أعيانهم ، مثل جعفر تكين وغيره ، وتبع المنهزمين نحو أيلك الخان إلى حدود سمرقند ، فلقي هناك عسكرا جرارا جعلهم أيلك الخان يحفظون سمرقند ، فانضاف إليهم المنهزمون ، ولقوا عسكر المنتصر ، فانهزم أيضا عسكر أيلك الخان ، وتبعهم عسكر المنتصر ، فغنموا أثقالهم فصلحت أحوالهم بها ، وعادوا إلى بخارى ، فاستبشر أهلها بعود السامانية .

ثم إن أيلك جمع الترك وقصد بخارى ، فانحاز من بها من السامانية وعبروا النهر إلى آمل الشط ، فضاقت عليهم ، فساروا هم والمنتصر نحو أبيورد فملكها ، وجبوا أموالها ، وساروا نحو نيسابور ، وبها منصور بن سبكتكين ، نائبا عن أخيه محمود ، فالتقوا قرب نيسابور في ربيع الآخر ، فاقتتلوا ، فانهزم منصور وأصحابه ، وقصدوا هراة ، وملك المنتصر نيسابور ، وكثر جمعه .

[ ص: 513 ] وبلغ يمين الدولة الخبر ، ( فسار مجدا نحو نيسابور ، فلما قاربها سار ) عنها المنتصر إلى أسفرايين ، فلما أزعجه الطلب سار نحو شمس المعالي قابوس بن وشمكير ملتجئا إليه ومتكثرا به ، فأكرم مورده ، وحمل إليه شيئا كثيرا ، وأشار على المنتصر بقصد الري إذ كانت ليس بها من يذب عنها ، لاشتغال أصحابها باختلافهم ، ووعده بأن ينجده بعسكر جرار مع أولاده ، فقبل مشورته وسار نحو الري ، فنازلها ، فضعف من بها عن مقاومته ، إلا أنهم حفظوا البلد منه ، ودسوا إلى أعيان عسكره كأبي القاسم بن سيمجور وغيره ، وبذلوا لهم الأموال ليردوه عنهم ، ففعلوا ، ذلك ، وصغروا أمر الري عنده وحسنوا له العود إلى خراسان . فسار نحو الدامغان ، وعاد عنه عسكر قابوس .

ووصل المنتصر إلى نيسابور ( في آخر شوال سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة ، فجبى له الأموال بها ، فأرسل إليه ) ، يمين الدولة جيشا فلقوه ، فانهزم المنتصر وسار نحو أبيورد ، وقصد جرجان ، فرده شمس المعالي عنها ، فقصد سرخس وجبى أموالها وسكنها . فسار إليه منصور بن سبكتكين من نيسابور ، فالتقوا بظاهر سرخس واقتتلوا فانهزم المنتصر وأصحابه ، وأسر أبو القاسم علي بن محمد بن سيمجور وجماعة من أعيان عسكره ، وحملوا إلى المنصور ، فسيرهم إلى غزنة ، وذلك في ربيع الأول سنة اثنتين وتسعين [ وثلاثمائة ] .

وسار المنتصر تائها حتى وافى الأتراك الغزية ولهم ميل إلى آل سامان ، فحركتهم الحمية ، واجتمعوا معه ، وسار بهم نحو أيلك الخان وكان ذلك في شوال سنة ثلاث وتسعين [ وثلاثمائة ] ، فلقيهم أيلك بنواحي سمرقند ، فهزموه واستولوا على أمواله وسواده ، وأسروا جماعة من قواده وعادوا إلى أوطانهم ، واجتمعوا على إطلاق [ ص: 514 ] الأسرى تقربا إلى أيلك الخان بذلك . فعلم المنتصر ، فاختار من أصحابه جماعة يثق بهم ، وسار بهم ، فعبر النهر ، ونزل بآمل الشط ، فلم يقبله مكان ، وكلما قصد مكانا رده أهله خوفا من معرته ، فعاد وعبر النهر إلى بخارى ، وطلب واليها لأيلك الخان ، فلقيه واقتتلوا فانهزم المنتصر إلى دبوسية وجمع بها ، ثم عاودهم فهزمهم ، فخرج إليه خلق كثير من فتيان سمرقند ، وصاروا في جملته ، وحمل له أهلها المال والآلات والثياب والدواب وغير ذلك .

فلما سمع أيلك الخان بحاله جمع الأتراك وسار إليه في قضه وقضيضه ، والتقوا بنواحي سمرقند ، واشتدت الحرب بينهم ، فانهزم أيلك الخان ، وكان ذلك في شعبان سنة أربع وتسعين [ وثلاثمائة ] ، وغنموا أمواله ودوابه .

وعاد أيلك الخان إلى بلاد الترك ، فجمع وحشد وعاد إلى المنتصر ، فوافق عوده تراجع الغزية الذين كانوا مع المنتصر إلى أوطانهم ، وقد زحف جمعه ، فاقتتلوا بنواحي أسروشنة ، فانهزم المنتصر ، وأكثر الترك في أصحابه القتل .

وسار المنتصر منهزما ، حتى عبر النهر ، وسار إلى الجوزجان فنهب أموالها ، وسار يطلب مرو ، فسير يمين الدولة العساكر ، ففارق مكانه وسار وهم في أثره ، حتى أتى بسطام ، فأرسل إليه قابوس عسكرا أزعجه عنها ، فلما ضاقت عليه المذاهب عاد إلى ما وراء النهر ، فعبر أصحابه وقد ضجروا وسئموا من السهر والتعب والخوف ، ففارقه كثير منهم إلى بعض أصحاب أيلك الخان ، فأعلموهم بمكانه ، فلم يشعر المنتصر إلا وقد أحاطت الخيل به من كل جانب ، فطاردهم ساعة ثم ولاهم الدبر وسار فنزل بحلة من العرب في طاعة يمين الدولة ، وكان يمين الدولة قد أوصاهم بطلبه ، فلما رأوه أمهلوه حتى أظلم الليل ، ثم وثبوا عليه فأخذوه وقتلوه ، وكان ذلك خاتمة أمره ، وإنما أوردت الحادثة هذه السنة لترد متتابعة ، فلو تفرقت في السنين لم تعلم على هذه الصورة لقلتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية