صفحة جزء
[ ص: 658 ] 411

ثم دخلت سنة إحدى عشرة وأربعمائة

ذكر قتل الحاكم وولاية ابنه الظاهر

في هذه السنة ، ليلة الاثنين لثلاث بقين من شوال ، فقد الحاكم بأمر الله أبو علي المنصور بن العزيز بالله نزار بن المعز العلوي ، صاحب مصر بها ، ولم يعرف له خبر .

وكان سبب فقده أنه خرج يطوف ليلة على رسمه ، وأصبح عند قبر الفقاعي ، وتوجه إلى شرقي حلوان ومعه ركابيان ، فأعاد أحدهما مع جماعة من العرب إلى بيت المال ، وأمر لهم بجائزة ثم عاد الركابي الآخر ، وذكر أنه خلفه عند العين والمقصبة .

وبقي الناس على رسمهم يخرجون كل يوم يلتمسون رجوعه إلى سلخ شوال ، فلما كان ثالث ذي القعدة خرج مظفر الصقلبي ، صاحب المظلة وغيره من خواص الحاكم ، ومعهم القاضي ، فبلغوا سلوان ، ودخلوا في الجبل ، فبصروا بالحمار الذي كان عليه راكبا ، وقد ضربت يداه بسيف فأثر فيهما ، وعليه سرجه ولجامه ، فاتبعوا الأثر ، فانتهوا به إلى البركة التي شرقي حلوان ، فرأوا ثيابه ، وهي سبع قطع [ ص: 659 ] صوف ، وهي مزررة بحالها ، لم تحل وفيها أثر السكاكين ، فعادوا ولم يشكوا في قتله .

وقيل : كان سبب قتله أن أهل مصر كانوا يكرهونه لما يظهر منه من سوء أفعاله ، فكانوا يكتبون إليه الرقاع فيها سبه ، وسب أسلافه ، والدعاء عليه ، حتى إنهم عملوا من قراطيس صورة امرأة وبيدها رقعة ، فلما رآها ظن أنها امرأة تشتكي ، ( فأمر بأخذ ) الرقعة منها ، فقرأها ، وفيها كل لعن وشتيمة قبيحة ، وذكر حرمه بما يكره ، فأمر بطلب المرأة ، فقيل إنها من قراطيس ، فأمر بإحراق مصر ونهبها ، ففعلوا ذلك ، وقاتل أهلها أشد قتال ، وانضاف إليهم في اليوم الثالث الأتراك والمشارقة ، فقويت شوكتهم وأرسلوا إلى الحاكم يسألونه الصفح ويعتذرون ، فلم يقبل ، فصاروا إلى التهديد ، فلما رأى قوتهم أمر بالكف عنهم ، وقد أحرق بعض مصر ونهب بعضها ، وتتبع المصريون من أخذ نساءهم وأبناءهم ، فابتاعوا ذلك بعد أن فضحوهن ، فازداد غيظهم منه وحنقهم عليه .

ثم إنه أوحش أخته ، وأرسل إليها مراسلات قبيحة يقول فيها : بلغني أن الرجال يدخلون إليك ، وتهددها بالقتل ، فأرسلت إلى قائد كبير من قواد الحاكم يقال له ابن دواس ، وكان أيضا يخاف الحاكم ، تقول له : إنني أريد أن ألقاك فحضرت عنده وقالت له : قد جئت إليك في أمر تحفظ فيه نفسك ونفسي ، وأنت تعلم ما يعتقده أخي فيك ، وأنه متى تمكن منك لا يبقي عليك ، وأنا كذلك ، وقد انضاف إلى هذا ما تظاهر به مما يكرهه المسلمون ، ولا يصبرون عليه ، وأخاف أن يثوروا به فيهلك هو ونحن معه ، وتنقلع هذه الدولة ، فأجابها إلى ما تريد ، فقالت : إنه يصعد إلى هذا الجبل غدا ، وليس معه غلام إلا الركابي وصبي ، وينفرد بنفسه ، فتقيم رجلين تثق بهما [ ص: 660 ] يقتلانه ، ويقتلان الصبي ، وتقيم ولده بعده ، وتكون أنت مدبر الدولة ، وأزيد في إقطاعك مائة ألف دينار .

فأقام رجلين ، وأعطتهما هي ألف دينار ، ومضيا إلى الجبل ، وركب الحاكم على عادته ، وسار منفردا إليه ، فقتلاه ، وكان عمره ستا وثلاثين سنة وتسعة أشهر ، وولايته خمسا وعشرين سنة وعشرين يوما ، وكان جوادا بالمال ، سفاكا للدماء ، قتل عددا كثيرا من أماثل دولته وغيرهم ، فكانت سيرته عجيبة .

منها : أنه أمر في صدر خلافته بسب الصحابة ، رضي الله عنهم ، ( وأن تكتب ) على حيطان الجوامع والأسواق ، وكتب إلى سائر عماله بذلك ، وكان ذلك سنة خمس وتسعين وثلاثمائة .

ثم أمر بعد ذلك بمدة بالكف عن السب ، وتأديب من يسبهم ، أو يذكرهم بسوء ، ثم أمر في سنة تسع وتسعين [ وثلاثمائة ] بترك صلاة التراويح ، فاجتمع الناس بالجامع العتيق وصلى بهم إمام جميع رمضان ، فأخذه وقتله ، ولم يصل أحد التراويح إلى سنة ثمان وأربعمائة ، فرجع عن ذلك ، وأمر بإقامتها على العادة .

وبنى الجامع براشدة ، وأخرج إلى الجوامع والمساجد من الآلات [ ص: 661 ] والمصاحف ، والستور ، والحصر ، ما لم ير الناس مثله ، وحمل أهل الذمة على الإسلام ، أو المسير إلى مأمنهم أو لبس الغيار ، فأسلم كثير منهم ، ثم كان الرجل منهم بعد ذلك يلقاه فيقول له : إنني أريد العودة إلى ديني ، فيأذن له ، ومنع النساء من الخروج من بيوتهن وقتل من خرج منهن ، فشكت إليه من لا قيم لها يقوم بأمرها ، فأمر الناس أن يحملوا كل ما يباع في الأسواق إلى الدروب ويبيعوه ( على النساء ) ، وأمر من يبيع أن يكون معه شبه المغرفة بساعد طويل يمده إلى المرأة ، وهي من وراء الباب ، وفيه ما تشتريه ، فإذا رضيت وضعت الثمن في المغرفة ، وأخذت ما فيها لئلا يراها ، فنال الناس من ذلك شدة عظيمة .

( ولما فقد الحاكم ولي الأمر بعده ابنه أبو الحسن علي ، ولقب الظاهر لإعزاز دين الله ، وأخذت له البيعة ، ورد النظر في الأمور جميعها إلى الوزير أبي القاسم علي بن أحمد الجرجرائي ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية