صفحة جزء
[ ص: 784 ] 429

ثم دخلت سنة تسع وعشرين وأربعمائة

ذكر محاصرة الأبخاز تفليس وعودهم عنها

في هذه السنة حصر ملك الأبخاز مدينة تفليس ، وامتنع أهلها عليه ، فأقام عليهم محاصرا ومضيقا ، فنفدت الأقوات ، وانقطعت الميرة ، فأنفذ أهلها إلى أذربيجان يستنفرون المسلمين ، ويسألونهم إعانتهم ، فلما وصل الغز إلى أذربيجان ، وسمع الأبخاز بقربهم ، وبما فعلوا بالأرمن ، رحلوا عن تفليس مجفلين خوفا . ولما رأى وهسوذان صاحب أذربيجان قوة الغز ، وأنه لا طاقة له بهم ، لاطفهم وصاهرهم واستعان بهم ، ( وقد تقدم ذكر ذلك ) .

ذكر ما فعله طغرلبك بخراسان

في هذه السنة دخل ركن الدين أبو طالب طغرلبك محمد بن ميكائيل بن سلجوق مدينة نيسابور مالكا لها .

وكان سبب ذلك أن الغز السلجقية لما ظهروا بخراسان أفسدوا ، ونهبوا ، وخربوا البلاد ، وسبوا ، على ما ذكرناه ، وسمع الملك مسعود بن محمود بن سبكتكين الخبر ، فسير إليهم حاجبه سباشي في ثلاثين ألف مقاتل ، فسار إليهم من غزنة ، فلما بلغ خراسان ثقل على ما سلم من البلاد بالإقامات فخرب السالم من تخريب الغز ، فأقام مدة سنة على المدافعة والمطاولة ، لكنه كان يتبع أثرهم إذا بعدوا ، ويرجع عنهم إذا أقبلوا استعمالا للمحاجزة ، وإشفاقا من المحاربة حتى إذا كان في هذه السنة [ ص: 785 ] وهو بقرية بظاهر سرخس ، والغز بظاهر مرو مع طغرلبك ، وقد بلغهم خبره ، أسروا إليه وقاتلوه يوم وصلوا فلما جنهم الليل أخذ سباشي ما خف من مال وهرب في خواصه ، وترك خيمه ونيرانه على حالها ، قيل فعل ذلك مواطأة للغز على الهزيمة ، فلما أسفر الصبح عرف الباقون من عسكره خبره ، فانهزموا ، واستولى الغز على ما وجدوه في معسكرهم من سوادهم ، وقتلوا من الهنود الذين تخلفوا مقتلة عظيمة .

وأسرى داود أخو طغرلبك ، وهو والد السلطان ألب أرسلان ، إلى نيسابور ، وسمع أبو سهل الحمدوني ومن معه بها ، ففارقوها ، ووصل داود ومن معه إليها ، فدخلوها بغير قتال ، ولم يغيروا شيئا من أمورها ، ووصل بعدهم طغرلبك ثم وصلت إليهم رسل الخليفة في ذلك الوقت ، وكان قد أرسل إليهم وإلى الذين بالري وهمذان وبلد الجبل ينهاهم عن النهب والقتل والإخراب ، ويعظهم ، فأكرموا الرسل ، وعظموهم ، وخدموهم .

وخاطب داود طغرلبك في نهب البلد فمنعه فامتنع واحتج بشهر رمضان ، فلما انسلخ رمضان صمم داود على نهبه ، فمنعه طغرلبك ، واحتج عليه برسل الخليفة وكتابه ، فلم يلتفت داود إليه ، وقوي عزمه على النهب ، فأخرج طغرلبك سكينا وقال له : والله لئن نهبت شيئا لأقتلن نفسي ! فكف عن ذلك ، وعدل إلى التقسيط ، فقسط على أهل نيسابور نحو ثلاثين ألف دينار ، وفرقها في أصحابه .

وأقام طغرلبك بدار الإمارة ، وجلس على سرير الملك مسعود ، وصار يقعد للمظالم يومين في الأسبوع على قاعدة ولاة خراسان ( وسير أخاه داود إلى سرخس فملكها ، ثم استولوا على سائر بلاد خراسان سوى بلخ ، وكانوا يخطبون للملك مسعود على سبيل المغالطة . وكانوا ثلاثة إخوة : طغرلبك ، وداود ، وبيغو ، وكان ينال ، واسمه إبراهيم أخا طغرلبك وداود لأمهما ، ثم خرج مسعود من غزنة وكان ما نذكره إن شاء الله تعالى .

[ ص: 786 ] ذكر مخاطبة جلال الدولة بملك الملوك

في هذه السنة سأل جلال الدولة الخليفة القائم بأمر الله ليخاطب بملك الملوك ، فامتنع ، ثم أجاب إليه إذا أفتى الفقهاء بجوازه ، فكتب فتوى إلى الفقهاء في ذلك فأفتى القاضي أبو الطيب الطبري ، والقاضي أبو عبد الله الصيمري ، والقاضي ابن البيضاوي ، وأبو القاسم الكرخي بجوازه ، وامتنع منه قاضي القضاة أبو الحسن الماوردي ، وجرى بينه وبين من أفتى بجوازه مراجعات وخطب لجلال الدولة بملك الملوك .

وكان الماوردي من أخص الناس بجلال الدولة ، وكان يتردد إلى دار المملكة كل يوم ، فلما أفتى بهذه الفتيا انقطع ولزم بيته خائفا ، فأقام منقطعا من شهر رمضان إلى يوم عيد النحر ، فاستدعاه جلال الدولة ، فحضر خائفا فأدخله وحده وقال له : قد علم كل أحد أنك من أكثر الفقهاء مالا وجاها وقربا منا وقد خالفتهم فيما خالف هواي ، ولم تفعل ذلك إلا لعدم المحاباة منك ، واتباع الحق ، وقد بان لي موضعك من الدين ، ومكانك من العلم . وجعلت جزاء ذلك إكرامك بأن أدخلتك إلي وحدك ، وجعلت إذن الحاضرين إليك ، ليتحققوا عودي إلى ما تحب . فشكره ودعا له ، وأذن لكل من حضر بالخدمة والانصراف .

ذكر عدة حوادث

في هذه السنة قتل شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس ، صاحب حلب ، قتله الدزبري وعساكر مصر ، وملكوا حلب .

وفيها أنكر العلماء على أبي يعلى بن الفراء الحنبلي ما ضمنه كتابه من صفات الله سبحانه وتعالى ، المشعرة بأنه يعتقد التجسم ، وحضر أبو الحسن القزويني الزاهد بجامع المنصور ، وتكلم في ذلك ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .

[ ص: 787 ] وفيها صالح ابن وثاب النميري صاحب حران ، الروم الذين بالرها لعجزه عنهم ، وسلم إليهم ربض الرها ، وكان تسلمه على ما ذكرناه أولا ، فنزلوا من الحصن الذي للبلد إليه ، وكثر الروم بها ، وخاف المسلمون على حران منهم ، وعمر الروم الرها العمارة الحسنة وحصنوها .

وفيها هادن المستنصر بالله الخليفة العلوي ، صاحب مصر ، ملك الروم ، وشرط عليه إطلاق خمسة آلاف أسير ، وشرط الروم عليه أن يعمروا بيعة قمامة ، فأرسل الملك إليها من عمرها ، وأخرج عليها مالا جليلا .

وفي هذه السنة سارت عساكر المعز بن باديس ، بإفريقية إلى بلد الزاب ، ففتحوا مدينة تسمى بورس ، وقتلوا من البربر خلقا كثيرا ، وفتح من بلاد زناتة قلعة تسمى كروم .

[ الوفيات ]

وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم بن مخلد أبو الفضل المعروف بابن الباقرحي في ربيع الآخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية