صفحة جزء
ابن مضر

وأمه سودة بنت عك ، وأخوه لأبيه وأمه إياد ، ولهما أخوان من أبيهما : ربيعة وأنمار ، وأمهما جدالة ابنة وعلان من جرهم .

وذكر أن نزار بن معد لما حضرته الوفاة أوصى بنيه وقسم ماله بينهم فقال : يا بني هذه القبة ، وهي من أدم حمراء ، وما أشبهها من مالي لمضر فسمي مضر الحمراء ، وهذا الخباء الأسود وما أشبهه من مالي لربيعة ، وهذه الخادم وما أشبهها من مالي لإياد ، وكانت شمطاء ، فأخذ البلق والنقد من غنمه ، وهذه البدرة والمجلس لأنمار يجلس عليه ، فأخذ أنمار ما أصابه ، فإن أشكل في ذلك عليكم شيء واختلفتم في القسمة فعليكم بالأفعى الجرهمي .

فاختلفوا فتوجهوا إلى الأفعى الجرهمي ، فبينما هم يسيرون في مسيرهم إذ رأى مضر كلأ قد رعي فقال : إن البعير الذي قد رعى هذا الكلأ لأعور .

وقال ربيعة : هو [ ص: 632 ] أزور . وقال إياد : هو أبتر . وقال أنمار : هو شرود . فلم يسيروا إلا قليلا حتى لقيهم رجل توضع به راحلته ، فسألهم عن البعير ، فقال مضر : هو أعور ؟ قال : نعم . قال ربيعة : هو أزور ؟ قال : نعم . وقال إياد : هو أبتر ؟ قال : نعم . وقال أنمار : هو شرود ؟ قال : نعم ، هذه صفة بعيري ، دلوني عليه ، فحلفوا له ما رأوه ، فلزمهم ، وقال : كيف أصدقكم وهذه صفة بعيري !

فساروا جميعا حتى قدموا نجران فنزلوا على الأفعى الجرهمي ، فقص عليه صاحب البعير حديثه ، فقال لهم الجرهمي : كيف وصفتموه ولم تروه ؟ قال مضر : رأيته يرعى جانبا ويدع جانبا فعرفت أنه أعور . وقال ربيعة : رأيت إحدى يديه ثابتة والأخرى فاسدة الأثر فعرفت أنه أزور . وقال إياد : عرفت أنه أبتر باجتماع بعره ولو كان أذنب لمصع به . وقال أنمار : وعرفت أنه شرود لأنه يرعى المكان الملتف ، ثم يجوزه إلى مكان أرق منه نبتا وأخبث . فقال الجرهمي : ليسوا بأصحاب بعيرك فاطلبه .

ثم سألهم من هم ، فأخبروه ، فرحب بهم وقال : أتحتاجون أنتم إلي وأنتم كما أرى ؟ ودعا لهم بطعام فأكلوا وشربوا . فقال مضر : لم أر كاليوم خمرا أجود لولا أنها نبتت على قبر . وقال ربيعة : لم أر كاليوم لحما أطيب لولا أنه ربي بلبن كلبة . وقال إياد : لم أر كاليوم رجلا أسرى لولا أنه لغير أبيه الذي ينتمي إليه . وقال أنمار : لم أر اليوم كلاما أنفع لحاجتنا من كلامنا .

وسمع الجرهمي الكلام فعجب ، فأتى أمه وسألها ، فأخبرته أنها كانت تحت ملك لا يولد له ، فكرهت أن يذهب الملك فأمكنت رجلا من نفسها فحملت به ، وسأل القهرمان عن الخمر ، فقال : من حبلة غرستها على قبر أبيك ، وسأل الراعي عن اللحم [ ص: 633 ] فقال : شاة أرضعتها لبن كلبة .

فقيل لمضر : من أين عرفت الخمر ؟ فقال : لأني أصابني عطش شديد . وقيل لربيعة فيما قال ، فذكر كلاما ، وأتاهم الجرهمي وقال : صفوا لي صفتكم ، فقصوا عليه قصتهم ، فقضى بالقبة الحمراء والدنانير والإبل ، وهي حمر ، لمضر ، وقضى بالخباء الأسود والخيل الدهم لربيعة ، وقضى بالخادم ، وكانت شمطاء ، والماشية البلق لإياد ، وقضى بالأرض والدراهم لأنمار .

ومضر أول من حدا ، وكان سبب ذلك أنه سقط من بعيره فانكسرت يده فجعل يقول : يا يداه يا يداه ، فأتته الإبل من المرعى ، فلما صلح وركب حدا وكان من أحسن الناس صوتا . وقيل : بل انكسرت يد مولى له فصاح ، فاجتمعت الإبل ، فوضع مضر الحداء وزاد الناس فيه .

وهو أول من قال حينئذ : "

بصبصن إذ حدين بالأذناب

" ، فذهب مثلا .

وروي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تسبوا مضر وربيعة فإنهما مسلمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية