صفحة جزء
ذكر وثوب الأتراك ببغداذ بأهل البساسيري والقبض عليه ونهب دوره وأملاكه وتأكد الوحشة بينه وبين رئيس الرؤساء

في هذه السنة ثارت فتنة ببغداذ بالجانب الشرقي بين العامة ، وثار جماعة من أهل السنة ، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحضروا الديوان ، وطلبوا أن يؤذن لهم في ذلك ، وأن يتقدم إلى أصحاب الديوان بمساعدتهم ، فأجيبوا إلى ذلك ، وحدث من ذلك شر كثير .

ثم إن أبا سعد النصراني ، صاحب البساسيري ، حمل في سفينة ستمائة جرة خمرا ليحدرها إلى البساسيري بواسط في ربيع الآخر ، فحضر ابن سكرة الهاشمي وغيره من الأعيان في هذا الباب ، وتبعهم خلق كثير ، وحاجب باب المراتب من قبل الديوان ، وقصدوا السفينة ، وكسروا جرار الخمر وأراقوها .

وبلغ ذلك البساسيري ، فعظم عليه ، ونسبه إلى رئيس الرؤساء ، وتجددت الوحشة ، فكتب فتاوى أخذ فيها خطوط الفقهاء الحنفية بأن الذي فعل من كسر الجرار [ وإراقة الخمر ] تعد غير واجب ، ( وهي ملك رجل نصراني ، لا يجوز ، وتردد القول في هذا المعنى ) ، فتأكدت الوحشة من الجانبين ، ووضع رئيس الرؤساء الأتراك البغداذيين على ثلب البساسيري والذم له ، ونسب كل ما يجري عليهم من نقض إليه ، فطمعوا فيه ، وسلكوا في هذا المعنى زيادة على ما أراد رئيس الرؤساء ، وتمادت الأيام إلى رمضان ، فحضروا دار الخليفة ، واستأذنوا في قصد دور البساسيري ونهبها ، فأذن لهم في ذلك ، فقصدوها ونهبوها وأحرقوها ، ونكلوا بنسائه وأهله ونوابه ، ونهبوا دوابه وجميع ما يملكه ببغداذ .

[ ص: 125 ] وأطلق رئيس الرؤساء لسانه في البساسيري وذمه ، ونسبه إلى مكاتبة المستنصر ، صاحب مصر ، وأفسد الحال مع الخليفة إلى حد لا يرجى صلاحه ، وأرسل إلى الملك الرحيم يأمره بإبعاد البساسيري ، فأبعده ، وكانت هذه الحالة من أعظم الأسباب في ملك السلطان طغرلبك العراق ، وقبض الملك الرحيم ، وسيرد من ذلك ما تراه إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية