عدنا إلى 
ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم  [ ص: 638 ] توفي  
عبد المطلب  بعد الفيل بثماني سنين ، وأوصى  
أبا طالب  برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكان  
أبو طالب  هو الذي قام بأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد جده ، ثم إن  
أبا طالب  خرج إلى 
الشام  ، فلما أراد المسير لزمه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرق له وأخذه معه ، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع سنين . فلما نزل الركب 
بصرى  من أرض 
الشام  ، وبها راهب يقال له  
بحيرا  في صومعة له ، وكان ذا علم في 
النصرانية  ، ولم يزل بتلك الصومعة راهب يصير إليه علمهم ، وبها كتاب يتوارثونه . فلما رآهم  
بحيرا  صنع لهم طعاما كثيرا ، وذلك لأنه رأى على رسول الله غمامة تظله من بين القوم ، ثم أقبلوا حتى نزلوا في ظل شجرة قريبا منه فنظر إلى الشجرة وقد هصرت أغصانها حتى استظل بها ، فنزل إليهم من صومعته ودعاهم . فلما رأى  
بحيرا  رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يلحظه لحظا شديدا ، وينظر إلى أشياء من جسده كان يجدها من صفته . 
فلما فرغ القوم من الطعام وتفرقوا ، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أشياء من حاله في يقظته ونومه فوجدها  
بحيرا  موافقة لما عنده من صفته ، ثم نظر إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، ثم قال  
بحيرا  لعمه  
أبي طالب     : ما هذا الغلام منك ؟ قال : ابني . قال : ما ينبغي أن يكون أبوه حيا . قال : فإنه ابن أخي ، مات أبوه وأمه حبلى به . قال : صدقت ، ارجع به إلى بلدك واحذر عليه 
يهود  ، فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا ، فإنه كائن له شأن عظيم .  
[ ص: 639 ] فخرج به عمه حتى أقدمه 
مكة    . 
وقيل : بينما هو يقول لعمه في إعادته إلى 
مكة  وتخوفهم عليه من الروم إذ أقبل سبعة نفر من الروم ، فقال لهم  
بحيرا     : ما جاء بكم ؟ قالوا : جاءنا أن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه ناس ، وإنا بعثنا إلى طريقك . قال أرأيتم أمرا أراده الله هل يستطيع أحد من الناس رده ؟ قالوا : لا . وتابعوا  
بحيرا  وأقاموا عنده 
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " 
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025810ما هممت بشيء مما كان الجاهلية يعملونه غير مرتين ، كل ذلك يحول الله بيني وبينه ، ثم ما هممت به حتى أكرمني برسالته ، قلت ليلة لغلام يرعى معي بأعلى مكة    : لو أبصرت لي غنمي حتى أدخل مكة  وأسمر بها كما يسمر الشباب . فقال : أفعل . فخرجت حتى إذا كنت عند أول دار بمكة  سمعت عزفا ، فقلت : ما هذا ؟ فقالوا : عرس فلان بفلانة ، فجلست أسمع ، فضرب الله على أذني فنمت ، فما أيقظني إلا حر الشمس ، فعدت إلى صاحبي فسألني فأخبرته . ثم قلت له ليلة أخرى مثل ذلك ودخلت مكة  ، فأصابني مثل أول ليلة ، ثم ما هممت بعده بسوء "   .