صفحة جزء
[ ص: 188 ] 456

ثم دخلت سنة ست وخمسين وأربعمائة .

ذكر القبض على عميد الملك وقتله .

في هذه السنة قبض السلطان ألب أرسلان على الوزير عميد الملك أبي نصر ( منصور بن محمد ) الكندري وزير طغرلبك .

وسبب ذلك أن عميد الملك قصد خدمة نظام الملك ، وزير ألب أرسلان ، وقدم بين يديه خمسمائة دينار ، واعتذر ، وانصرف من عنده ، فسار أكثر الناس معه ، فخوف السلطان من غائلة ذلك ، فقبض عليه وأنفذه إلى مرو الروذ ، وأتت عليه سنة في الاعتقال ، ثم نفذ إليه غلامين فدخلا عليه وهو محموم ، فقالا له : تب مما أنت عليه ، ففعل ، ودخل فودع أهله ، وخرج إلى مسجد هناك فصلى ركعتين ، وأراد الغلامان خنقه ، فقال : لست بلص ! وخرق خرقة من طرف كمه وعصب عينيه ، فضربوه بالسيف ، وكان قتله في ذي الحجة ، ولف في قميص دبيقي من ملابس الخليفة ، وخرقة كانت البردة التي عند الخلفاء فيها ، وحملت جثته إلى كندر ، فدفن عند أبيه ، وكان عمره يوم قتل نيفا وأربعين سنة .

وكان سبب اتصاله بالسلطان طغرلبك أن السلطان لما ورد نيسابور طلب رجلا يكتب له ، ويكون فصيحا بالعربية ، فدل عليه الموفق ، والد أبي سهل ، وأعطته [ ص: 189 ] السعادة ، وكان فصيحا ، فاضلا ، وانتشر من شعره ما قاله في غلام تركي صغير السن كان واقفا على رأسه يقطع بالسكين قصبة ، فقال عميد الملك فيه :


أنا مشغول بحبه ، وهو مشغول بلعبه لو رد الله خيرا ، وصلاحا لمحبه     نقلت رقة خدي ه إلى قسوة قلبه
صانه الله فما أك ثر إعجابي بعجبه

.

ومن شعره : .


إذا كان بالناس ضيق على مناقشتي     فالموت قد وسع الدنيا على الناس
مضيت ، والشامت المغبون يتبعني     ، كل لكأس المنايا شارب حاسي



وقال أبو الحسن الباخرزي يخاطب ألب أرسلان عند قتل الكندري :


وعمك أدناه ، وأعلى محله     ، وبوأه من ملكه كنفا رحبا
قضى كل مولى منكما حق عبده     فخوله الدنيا ، وخولته العقبى



وكان عميد الملك خصيا ، قد خصاه طغرلبك لأنه أرسله يخطب عليه امرأة ليتزوجها ، فتزوجها هو ، وعصى عليه ، فظفر به وخصاه ، وأقره على خدمته .

وقيل بل أعداؤه أشاعوا أنه تزوجها ، فخصى نفسه ليخلص من سياسة السلطنة ، فقال فيه علي بن الحسن الباخرزي :


قالوا : محا السلطان عنه بعزة     سمة الفحول ، وكان قرما صائلا
قلت ، اسكتوا ، فالآن زاد فحولة     لما اغتدى عن أنثييه عاطلا
فالفحل يأنف أن يسمى بعضه     أنثى ، لذلك جذه مستأصلا

.

[ ص: 190 ] يعني بالأنثى واحدة الأنثيين .

وكان شديد التعصب على الشافعية ، كثير الوقيعة في الشافعي ، رضي الله عنه ، بلغ من تعصبه أنه خاطب السلطان في لعن الرافضة على منابر خراسان ، فأذن في ذلك ، فأمر بلعنهم ، وأضاف إليهم الأشعرية ، فأنف من ذلك أئمة خراسان ، منهم : الإمام أبو القاسم القشيري ، والإمام أبو المعالي الجويني ، وغيرهما ، ففارقوا خراسان ، وأقام إمام الحرمين بمكة أربع سنين إلى أن انقضت دولته ، يدرس ، ويفتي ، فلهذا لقب إمام الحرمين ، فلما جاءت الدولة النظامية ، أحضر من انتزح منهم وأكرمهم ، وأحسن إليهم .

وقيل إنه تاب من الوقيعة في الشافعي ، فإن صح فقد أفلح ، وإلا فعلى نفسها براقش تجني .

ومن العجب أن ذكره دفن بخوارزم لما خصي ، ودمه مسفوح بمرو ، وجسده مدفون بكندر ، ورأسه ما عدا قحفه مدفون بنيسابور ، ونقل قحفه إلى كرمان لأن نظام الملك كان هناك ، فاعتبروا يا أولي الأبصار .

ولما قرب للقتل قال القاصد إليه : قل لنظام الملك : بئس ما عودت الأتراك قتل الوزراء ، وأصحاب الديوان ، ومن حفر قليبا وقع فيه ، ولم يخلف عميد الملك غير بنت .

التالي السابق


الخدمات العلمية