[ ص: 217 ] 
462 
ثم دخلت سنة اثنتين وستين وأربعمائة . 
ذكر عدة حوادث   . 
في هذه السنة أقبل ملك 
الروم  من 
القسطنطينية  في عسكر كثيف إلى 
الشام  ، ونزل على مدينة 
منبج  ونهبها وقتل أهلها ، وهزم  
محمود بن صالح بن مرداس  ، 
وبني كلاب  ،  
وابن حسان الطائي  ، ومن معهما من جموع العرب ، ثم إن ملك 
الروم  ارتحل وعاد إلى بلاده ، ولم يمكنه المقام لشدة الجوع . 
وفيها سار أمير الجيوش  
بدر  من 
مصر  في عساكر كثيرة إلى مدينة 
صور  وحصرها ، وكان قد تغلب عليها  
القاضي عين الدولة بن أبي عقيل  ، فلما حصره أرسل القاضي إلى الأمير  
قرلوا  ، مقدم 
الأتراك  المقيمين 
بالشام  يستنجده ، فسار في اثني [ عشر ] ألف فارس ، فحصر مدينة 
صيدا  ، وهي لأمير الجيوش  
بدر  ، فرحل حينئذ  
بدر  فعاد 
الأتراك  ، فعاود  
بدر  حصر 
صور  برا وبحرا سنة ، وضيق على أهلها حتى أكلوا الخبز كل رطل بنصف دينار ولم يبلغ غرضه فرحل عنها .  
[ ص: 218 ] وفيها صارت دار ضرب الدنانير 
ببغداذ  في يد وكلاء الخليفة ، وسبب ذلك أن البهرج كثر في أيدي الناس على السكك السلطانية وضرب اسم ولي العهد على الدينار وسمي الأميري ومنع من التعامل بسواه . 
وفيها ورد رسول صاحب 
مكة  محمد بن أبي هاشم  ، ومعه ولده ، إلى  
السلطان ألب أرسلان  ، يخبره بإقامة الخطبة  
 nindex.php?page=showalam&ids=14932للخليفة القائم بأمر الله  وللسلطان 
بمكة  ، وإسقاط خطبة  
العلوي  ، صاحب 
مصر  ، وترك الأذان بحي على خير العمل فأعطاه السلطان ثلاثين ألف دينار ، وخلعا نفيسة ، وأجرى له كل سنة عشرة آلاف دينار ، وقال : إذا فعل أمير ( المدينة مهنأ ) كذلك ، أعطيناه عشرين ألف دينار ، وكل سنة خمسة آلاف دينار . 
وفيها تزوج  
عميد الدولة بن جهير  بابنة نظام الملك 
بالري  وعاد إلى 
بغداذ  ، وفيها ، في شهر رمضان ، توفي  
تاج الملوك هزارسب بن بنكير بن عياض  بأصبهان  وهو عائد من عند السلطان إلى 
خوزستان  ، وكان قد علا أمره ، وتزوج بأخت السلطان ، وبغى على  
 nindex.php?page=showalam&ids=15861نور الدولة دبيس بن مزيد  ، وأغرى السلطان به ليأخذ بلاده فلما مات سار  
دبيس  إلى السلطان ، ومعه  
شرف الدولة مسلم  ، صاحب 
الموصل  فخرج  
نظام الملك  فلقيهما ، وتزوج  
شرف الدولة  بأخت السلطان التي كانت امرأة  
هزارسب  ، وعادا إلى بلادهما من 
همذان    . 
وفيها كان 
بمصر  غلاء شديد ، ومجاعة عظيمة ، حتى أكل الناس بعضهم   
[ ص: 219 ] بعضا ، وفارقوا الديار المصرية ، فورد 
بغداذ  منهم خلق كثير هربا من الجوع ، وورد التجار ، ومعهم ثياب صاحب 
مصر  وآلاته ، نهبت من الجوع ، وكان فيها أشياء كثيرة نهبت من دار الخلافة وقت القبض على  
الطائع لله  سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، ومما نهب أيضا في فتنة البساسيري وخرج من خزائنهم ثمانون ألف قطعة بلور كبار ، وخمسة وسبعون ألف قطعة من الديباج القديم ، وأحد عشر ألف كزاغند ، وعشرون ألف سيف محلى . 
وقال  
ابن الفضل  يمدح  
 nindex.php?page=showalam&ids=14932القائم بأمر الله  ، ويذكر الحال بقصيدة فيها : 
قد علم المصري أن جنوده سنو يوسف  منها وطاعون عمواس      أقامت به حتى استراب بنفسه 
، وأوجس منه خيفة أي إيجاس 
في أبيات . 
[ الوفيات ] 
وفيها توفي  
أبو الجوائز الحسن بن علي بن محمد الواسطي  ، كان أديبا ، شاعرا ، حسن القول ، فمن قوله : 
واحسرتي من قولها   :     خان عهودي ولها 
 [ ص: 220 ] وحق من صيرني     وقفا عليها ولها 
ما خطرت بخاطري ،     إلا كستني ولها 
وتوفي  
محمد بن أحمد أبو غالب بن بشران الواسطي  الأديب ، وانتهت الرحلة إليه في الأدب وله شعر ، فمنه في الزهد : 
يا شائدا للقصور كهلا أقصر ،     فقصر الفتى الممات 
لم يجتمع شمل أهل قصر ،     إلا قصاراهم الشتات 
وإنما العيش مثل ظل     منتقل ما له ثبات 
وفيها توفي  
القاضي أبو الحسين محمد بن إبراهيم بن حذلم  ، قاضي 
دمشق  ،  
وأبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن أبي العجائز  ، الخطيب 
بدمشق    .