صفحة جزء
[ ص: 655 ] ذكر الاختلاف في أول من أسلم

اختلف العلماء في أول من أسلم ، مع الاتفاق على أن خديجة أول خلق الله إسلاما ، فقال قوم : أول ذكر آمن علي . روي عن علي - عليه السلام - أنه قال : أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر لا يقولها بعدي إلا كاذب مفتر ، صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل الناس بسبع سنين .

وقال ابن عباس : أول من صلى علي . وقال جابر بن عبد الله : بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين ، وصلى علي يوم الثلاثاء . وقال زيد بن الأرقم : أول من أسلم مع النبي - صلى الله عليه وسلم - علي . وقال عفيف الكندي : كنت امرأ تاجرا فقدمت مكة أيام الحج فأتيت العباس ، فبينا نحن عنده إذ خرج رجل فقام تجاه الكعبة يصلي ، ثم خرجت امرأة تصلي معه ، ثم خرج غلام فقام يصلي معه . فقلت : يا عباس ما هذا الدين ؟ فقال : هذا محمد بن عبد الله ابن أخي ، زعم أن الله أرسله وأن كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه ، وهذه امرأته خديجة آمنت به ، وهذا الغلام علي بن أبي طالب آمن به ، وايم الله ما أعلم على ظهر الأرض أحدا على هذا الدين إلا هؤلاء الثلاثة ! قال عفيف : ليتني كنت رابعا .

وقال محمد بن المنذر وربيعة بن أبي عبد الرحمن وأبو حازم المدني [ ص: 656 ] والكلبي : أول من أسلم علي . قال الكلبي : كان عمره تسع سنين ، وقيل : إحدى عشرة سنة .

وقال ابن إسحاق : أول من أسلم علي وعمره إحدى عشرة سنة .

وكان من نعمة الله عليه أن قريشا أصابتهم أزمة شديدة ، وكان أبو طالب ذا عيال كثيرة ، فقال يوما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمه العباس : يا عم إن أبا طالب كثير العيال فانطلق بنا نخفف عن عيال أبي طالب ، فانطلقا إليه وأعلماه ما أرادا ، فقال أبو طالب : اتركا لي عقيلا واصنعا ما شئتما ، فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليا ، وأخذ العباس جعفرا ، فلم يزل علي عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أرسله الله فاتبعه .

وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد الصلاة انطلق هو وعلي إلى بعض الشعاب بمكة فيصليان ويعودان . فعثر عليهما أبو طالب فقال : يا ابن أخي ما هذا الدين ؟ قال : دين الله وملائكته ورسله ، ودين أبينا إبراهيم ، بعثني الله تعالى به إلى العباد ، وأنت أحق من دعوته إلى الهدى وأحق من أجابني . قال : لا أستطيع أن أفارق دين آبائي ، ولكن والله لا تخلص قريش إليك بشيء تكرهه ما حييت .

فلم يزل جعفر عند العباس حتى أسلم واستغنى عنه .

قال : وقال أبو طالب لعلي : ما هذا الدين الذي أنت عليه ؟ قال : يا أبه ! آمنت بالله وبرسوله وصليت معه . فقال : أما إنه لا يدعونا إلا إلى الخير فالزمه .

وقيل : أول من أسلم أبو بكر - رضي الله عنه - . قال الشعبي : سألت ابن عباس عن أول من أسلم ، فقال : أما سمعت قول حسان بن ثابت :

إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

[ ص: 657 ]     خير البرية أتقاها وأعدلها
بعد النبي وأوفاها بما حملا     الثاني التالي المحمود مشهده
وأول الناس منهم صدق الرسلا



وقال عمرو بن عبسة : أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعكاظ فقلت : يا رسول الله من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : تبعني عليه حر وعبد ، أبو بكر وبلال . فأسلمت عند ذلك ، فلقد رأيتني ربع الإسلام .

وكان أبو ذر يقول : لقد رأيتني ربع الإسلام ، لم يسلم قبلي إلا النبي وأبو بكر وبلال . وقال إبراهيم النخعي : أبو بكر أول من أسلم .

وقيل : أول من أسلم زيد بن حارثة . قال الزهري وسليمان بن يسار وعمران بن أبي أنس وعروة بن الزبير : أول من أسلم زيد بن حارثة ، وكان هو وعلي يلزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان صلى الله عليه وسلم ، يخرج إلى الكعبة أول النهار ويصلي صلاة الضحى ، وكانت قريش لا تنكرها ، وكان إذا صلى غيرها قعد علي وزيد بن حارثة يرصدانه .

وقال ابن إسحاق : أول ذكر أسلم بعد النبي : علي وزيد بن حارثة ، ثم أسلم أبو بكر وأظهر إسلامه ، وكان مانعا لقومه محبا فيهم ، وكان أعلمهم بأنساب قريش وما كان فيها ، وكان تاجرا يجتمع إليه قومه ، فجعل يدعو من يثق به من قومه ، فأسلم على يديه عثمان [ ص: 658 ] بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله ، فجاء بهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين استجابوا له فأسلموا وصلوا . وكان هؤلاء النفر هم الذين سبقوا إلى الإسلام ، ثم تتابع الناس في الإسلام حتى فشا ذكر الإسلام بمكة وتحدث به الناس .

قال الواقدي : وأسلم أبو ذر ، قالوا رابعا أو خامسا ، وأسلم عمرو بن عبسة السلمي رابعا أو خامسا ، وقيل : إن الزبير أسلم رابعا أو خامسا ، وأسلم خالد بن سعيد بن العاص خامسا . وقال ابن إسحاق : أسلم هو وزوجته همينة بنت خلف بن أسعد بن عامر بن بياضة من خزاعة بعد جماعة كثيرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية