صفحة جزء
ذكر ملك السلطان حلب وغيرها .

كان ابن الحتيتي قد كاتب السلطان ملكشاه يستدعيه ليسلم إليه حلب ، لما خاف تاج الدولة تتش ، فسار إليه من أصبهان في جمادى الآخرة ، وجعل على مقدمته الأمير برسق ، وبوزان ، وغيرهما من الأمراء ، وجعل طريقه على الموصل ، فوصلها في رجب ، وسار منها ، فلما وصل إلى حران سلمها إليه ابن الشاطر ، فأقطعها السلطان لمحمد بن شرف الدولة ، وسار إلى الرها ، وهي بيد الروم ، فحصرها وملكها ، وكانوا قد اشتروها من ابن عطير ، وتقدم ذكر ذلك ، وسار إلى قلعة جعبر ، فحصرها يوما [ ص: 305 ] وليلة وملكها ، وقتل من بها من بني قشير ، وأخذ جعبر من صاحبها ، وهو شيخ أعمى ، وولدين له ، وكانت الأذية بهم عظيمة يقطعون الطرق ويلجئون إليها .

ثم عبر الفرات إلى مدينة حلب ، فملك في طريقه مدينة منبج ، فلما قارب حلب رحل عنها أخوه تتش ، وكان قد ملك المدينة ، كما ذكرناه ، وسار عنها يسلك البرية ، ومعه الأمير أرتق ، فأشار بكبس عسكر السلطان ، وقال : إنهم قد وصلوا ، وبهم وبدوابهم من التعب ما ليس عندهم معه امتناع ، ولو فعل لظفر بهم .

فقال تتش : لا أكسر جاه أخي الذي أنا مستظل بظله ، فإنه يعود بالوهن علي أولا .

وسار إلى دمشق ، ولما وصل السلطان إلى حلب تسلم المدينة ، وسلم إليه سالم بن مالك القلعة على أن يعوضه عنها قلعة جعبر ، وكان سالم قد امتنع بها أولا ، فأمر السلطان أن يرمى إليه رشقا واحدا بالسهام ، فرمى الجيش ، فكادت الشمس تحتجب لكثرة السهام ، فصانع عنها بقلعة جعبر وسلمها ، وسلم السلطان إليه قلعة جعبر ، فبقيت بيده وبيد أولاده إلى أن أخذها منهم نور الدين محمود بن زنكي ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

وأرسل إليه الأمير نصر بن علي بن منقذ الكناني ، صاحب شيزر ، فدخل في طاعته ، وسلم إليه اللاذقية ، وكفرطاب ، وأفامية ، فأجابه إلى المسالمة ، وترك قصده ، وأقر عليه شيزر .

ولما ملك السلطان حلب سلمها إلى قسيم الدولة آقسنقر ، فعمرها ، وأحسن السيرة فيها .

[ ص: 306 ] وأما ابن الحتيتي فإنه كان واثقا بإحسان السلطان ونظام الملك إليه ، لأنه استدعاهما ، فلما ملك السلطان البلد طلب أهله أن يعفيهم من ابن الحتيتي ، فأجابهم إلى ذلك ، واستصحبه معه ، وأرسله إلى ديار بكر ، فافتقر ، وتوفي بها على حال شديدة من الفقر ، وقتل ولده بأنطاكية ، قتله الفرنج لما ملكوها .

التالي السابق


الخدمات العلمية