صفحة جزء
ذكر ملك السلطان ملكشاه ما وراء النهر

في هذه السنة ملك السلطان ملكشاه ما وراء النهر .

وسبب ذلك أن سمرقند كان قد ملكها أحمد خان بن خضر خان ، أخوه شمس [ ص: 325 ] الملك الذي كان قبله ، وهو ابن أخي تركان خاتون ، زوجة السلطان ملكشاه ، وكان صبيا ظالما ، قبيح السيرة ، يكثر مصادرة الرعية ، فنفروا منه وكتبوا إلى السلطان سرا يستغيثون به ، ويسألونه القدوم عليهم ليملك بلادهم ، وحضر الفقيه أبو طاهر بن علك الشافعي عند السلطان شاكيا ، وكان يخاف من أحمد خان لكثرة ماله ، فأظهر السفر للتجارة والحج ، فاجتمع بالسلطان ، وشكا إليه ، وأطمعه في البلاد . فتحركت دواعي السلطان إلى ملكها ، فسار من أصبهان .

وكان قد وصل إليه ، وهو فيها ، رسول ملك الروم ، ومعه الخراج المقرر عليه ، فأخذه نظام الملك معهم إلى ما وراء النهر ، وحضر فتح البلاد ، فلما وصل إلى كاشغر أذن له نظام الملك في العود إلى بلاده ، وقال : أحب أن يذكر عنا في التواريخ ( أن ملك الروم ) حمل الجزية وأوصلها إلى باب كاشغر لينهي إلى صاحبه سعة ملك السلطان ليعظم خوفه منه ، ولا يحدث نفسه بخلاف الطاعة . وهذا يدل على همة عالية تعلو على العيوق .

ولما سار السلطان من أصبهان إلى خراسان جمع العساكر من البلاد جميعها ، فعبر النهر بجيوش لا يحصرها ديوان ، ولا تدخل تحت الإحصاء ، فلما قطع النهر قصد بخارى ، وأخذ ما على طريقه ، ثم سار إليها وملكها وما جاورها من البلاد ، وقصد سمرقند ونازلها ، وكانت الملطفات قد قدمها إلى أهل البلد يعدهم النصر ، والخلاص مما هم فيه من الظلم ، وحصر البلد ، وضيق عليه وأعانه أهل البلد بالإقامات ، وفرق أحمد خان ، صاحب سمرقند ، أبراج السور على الأمراء ومن يثق به من أهل البلد ، وسلم برجا يقال له برج العيار إلى رجل علوي كان مختصا به ، فنصح في القتال .

فاتفق أن ولدا لهذا العلوي أخذ أسيرا ببخارى ، فهدد الأب بقتله ، فتراخى عن [ ص: 326 ] القتال ، فسهل الأمر على السلطان ملكشاه ، ورمى من السور عدة ثلم بالمنجنيقات ، وأخذ ذلك البرج ، فلما صعد عسكر السلطان إلى السور هرب أحمد خان ، واختفى في بيوت بعض العامة فغمز عليه وأخذ وحمل إلى السلطان ، وفي رقبته حبل ، فأكرمه السلطان ، وأطلقه وأرسله إلى أصبهان ، ومعه من يحفظه ، ورتب بسمرقند الأمير العميد أبا طاهر عميد خوارزم .

وسار السلطان قاصدا إلى كاشغر ، فبلغ إلى يوزكند ، وهو بلد يجري على بابه نهر ، وأرسل منها رسلا إلى ملك كاشغر يأمره بإقامة الخطبة ، وضرب السكة باسمه ، ويتوعده إن خالف بالمسير إليه . ففعل ذلك وأطاع ، وحضر عند السلطان ، فأكرمه وعظمه ، وتابع الإنعام عليه ، وأعاده إلى بلده .

ورجع السلطان إلى خراسان ، فلما أبعد عن سمرقند لم يتفق أهلها وعسكرها المعروفون بالجكلية مع العميد أبي طاهر ، نائب السلطان عندهم ، حتى كادوا يثبون عليه ، فاحتال حتى خرج من عندهم ، ومضى إلى خوارزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية