صفحة جزء
ذكر وصول السلطان إلى بغداذ

في هذه السنة ، في شهر رمضان ، وصل السلطان إلى بغداذ ، وهي المرة الثانية ، ونزل بدار المملكة ، ونزل أصحابه متفرقين ، ووصل إليه أخوه تاج الدولة تتش ، وقسيم الدولة آقسنقر ، صاحب حلب ، وغيرهما من زعماء الأطراف ، وعمل الميلاد ببغداذ ، وتأنقوا في عمله ، فذكر الناس أنهم لم يروا ببغداذ مثله أبدا ، وأكثر الشعراء وصف تلك الليلة ، فممن قال المطرز :

[ ص: 350 ]

وكل نار على العشاق مضرمة من نار قلبي أو من ليلة الصدق     نار تجلت بها الظلماء واشتبهت
بسدفة الليل فيه غرة الفلق     وزارت الشمس فيها البدر واصطلحا
على الكواكب بعد الغيظ والحنق     مدت على الأرض بسطا من
جواهرها ما بين مجتمع وار ومفترق     مثل المصابيح إلا أنها نزلت
من السماء بلا رجم ولا حرق     اعجب بنار ورضوان يسعرها
ومالك قائم منها على فرق     في مجلس ضحكت روض الجنان
له لما جلا ثغره عن واضح يقق     وللشموع عيون كلما نظرت
تظلمت من يديها أنجم الغسق     من كل مرهفة الأعطاف
كالغصن المياد لكنه عار من الورق     إني لأعجب منها وهي وادعة
تبكي وعيشتها من ضربة العنق



وفي هذه المرة أمر بعمارة جامع السلطان ، فابتدئ في عمارته في المحرم سنة خمس وثمانين وأربعمائة ، وعمل قبلته بهرام منجمه ، وجماعة من أصحاب الرصد ، وابتدأ بعده نظام الملك ، وتاج الملوك ، والأمراء الكبار بعمل دور لهم يسكنونها إذا قدموا بغداذ ، فلم تطل مدتهم بعدها ، وتفرق شملهم بالموت ، والقتل ، وغير ذلك في باقي سنتهم ، ولم تغن عنهم عساكرهم وما جمعوا شيئا ، فسبحان الدائم الذي لا يزول أمره .

التالي السابق


الخدمات العلمية