صفحة جزء
ذكر السبب في قتل بركيارق الباطنية

لما اشتد أمر الباطنية ، وقويت شوكتهم ، وكثر عددهم ، صار بينهم وبين أعدائهم ذحول وإحن ، فلما قتلوا جماعة من الأمراء الأكابر ، وكان أكثر من قتلوا من هو في طاعة محمد ، مخالف للسلطان بركيارق ، مثل شحنة أصبهان سرمز ، وأرغش ، وكمش النظاميين ، وصهره ، وغيرهم ، نسب أعداء بركيارق ذلك إليه ، واتهموه بالميل إليهم .

[ ص: 456 ] فلما ظفر السلطان بركيارق ، وهزم أخاه السلطان محمدا ، وقتل مؤيد الملك وزيره ، انبسط جماعة منهم في العسكر ، واستغووا كثيرا منهم ، وأدخلوهم في مذهبهم ، وكادوا يظهرون بالكثرة والقوة ، وحصل بالعسكر منهم طائفة من وجوههم ، وزاد أمرهم ، فصاروا يتهددون من لا يوافقهم بالقتل ، فصار يخافهم من يخالفهم ، حتى إنهم لم يتجاسر أحد منهم ، لا أمير ولا متقدم ، على الخروج من منزله حاسرا بل يلبس تحت ثيابه درعا ، حتى إن الوزير الأعز أبا المحاسن كان يلبس زردية تحت ثيابه ، واستأذن السلطان بركيارق خواصه في الدخول عليه بسلاحهم ، وعرفوه خوفهم ممن يقاتلهم ، فأذن لهم في ذلك .

وأشاروا على السلطان أن يفتك بهم قبل أن يعجز عن تلافي أمرهم ، وأعلموه ما يتهمه الناس به من الميل إلى مذهبهم ، حتى إن عسكر أخيه السلطان محمد يشنعون بذلك ، وكانوا في المصاف يكبرون عليهم ، ويقولون يا باطنية . فاجتمعت هذه البواعث كلها ، فأذن السلطان في قتلهم ، والفتك بهم ، وركب هو والعسكر معه ، وطلبوهم ، وأخذوا جماعة من خيامهم ولم يفلت منهم إلا من لم يعرف .

وكان ممن اتهم بأنه مقدمهم الأمير محمد بن دشمنزيار بن علاء الدولة أبي جعفر بن كاكويه ، صاحب يزد ، فهرب ، وسار يومه وليلته ، فلما كان اليوم الثاني وجد في العسكر قد ضل الطريق ولا يشعر ، فقتل ، وهذا موضع المثل : أتتك بخائن رجلاه ، ونهبت خيامه ، فوجد عنده السلاح المعد ، وأخرج الجماعة المتهمون إلى الميدان فقتلوا ، وقتل منهم جماعة براء لم يكونوا منهم سعى بهم أعداؤهم ، وفيمن قتل ولد كيقباذ ، مستحفظ تكريت ، فلم يغير والده خطبة بركيارق ، ولكن شرع في تحصين القلعة وعمارتها ، ونقض جامع البلد ، وكان يقاربها ، لئلا يؤتى منه ، وجعل بيعة في البلد جامعا ، وصلى الناس فيه .

وكتب إلى بغداذ بالقبض على إبراهيم الأسداباذي الذي كان قد وصل إليها رسولا من بركيارق ليأخذ مال مؤيد الملك ، وكان من أعيانهم ورءوسهم ، فأخذ وحبس ، فلما أرادوا قتله قال : هبوا أنكم قتلتموني ، أتقدرون على قتل من بالقلاع والمدن ؟ فقتل ، ولم يصل أحد عليه ، وألقي خارج السور ، وكان له ولد كبير قتل بالعسكر معهم .

وقد كان أهل عانة نسبوا إلى هذا المذهب قديما ، فأنهي حالهم إلى الوزير أبي [ ص: 457 ] شجاع أيام المقتدي بأمر الله ، فأحضرهم إلى بغداذ ، فسأل مشايخهم على الذي يقال فيهم ، فأنكروا وجحدوا ، فأطلقهم .

واتهم أيضا إلكيا الهراس ، المدرس بالنظامية ، بأنه باطني ، ونقل ذلك عنه إلى السلطان محمد ، فأمر بالقبض عليه ، فأرسل المستظهر بالله من استخلصه ، وشهد له بصحة الاعتقاد ، وعلو الدرجة في العلم ، فأطلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية