صفحة جزء
ذكر الحرب بين بركيارق ومحمد

في هذه السنة ، ثامن جمادى الآخرة ، كان المصاف الخامس بين السلطان بركيارق والسلطان محمد .

[ ص: 486 ] وكانت كنجة وبلاد أران جميعها للسلطان محمد ، وبها عسكره ، ومقدمهم الأمير غزغلي ، فلما طال مقام محمد بأصبهان محصورا توجه غزغلي والأمير منصور بن نظام الملك وابن أخيه محمد بن مؤيد الملك بن نظام الملك قاصدين لنصرته ، ليراهم بعين الطاعة .

وكان آخر ما تقام فيه الخطبة لمحمد زنجان مما يلي أذربيجان ، فوصلوا إلى الري في العشرين من ذي الحجة سنة خمس وتسعين وأربعمائة ، ففارقه عسكر بركيارق ، ودخلوه وأقاموا به ثلاثة أيام .

ووصلهم الخبر بخروج السلطان محمد من أصبهان ، وأنه وصل إلى ساوة ، فساروا إليه ، ولحقوه بهمذان ومعه ينال وعلي ابنا أنوشتكين الحسامي ، فبلغ عددهم ستة آلاف فارس ، فأقاموا بها إلى أواخر المحرم ، فأتاهم الخبر بأن السلطان بركيارق قد أتاهم ، فتلونوا في رأيهم ، فسار ينال وعلي ابنا أنوشتكين إلى الري ، على ما ذكرناه ، وعزم السلطان محمد على التوجه إلى شروان ، فوصل إلى أردبيل ، فأرسل إليه الملك مودود بن إسماعيل بن ياقوتي ، صاحب بعض أذربيجان ، وكانت قبله لأبيه إسماعيل بن ياقوتي ، وهو خال السلطان بركيارق ، وكانت أخته زوجة السلطان محمد ، وهو مطالب السلطان بركيارق بثأر أبيه ، وقد تقدم مقتله أول دولة بركيارق ، وقال له : ينبغي أن تقدم إلينا لتجتمع كلمتنا على طاعتك ، وقتال خصمنا ، فسار إليه مجدا ، وتصيد في طريقه بين أردبيل وبيلقان ، وانفرد عن عسكره ، فوثب عليه نمر ، وهو غافل ، فجرح السلطان محمدا في عضده ، فأخذ سكينا وشق بها جوف النمر فألقاه عن فرسه ونجا .

ثم إن مودود بن إسماعيل توفي في النصف من ربيع الأول ، وعمره اثنتان وعشرون سنة ، ولما بلغ بركيارق اجتماع السلطان محمد والملك مودود سار غير متوقف ، فوصل بعد موت مودود ، وكان عسكر مودود قد اجتمعوا على طاعة السلطان محمد ، وحلفوا له ، وفيهم سكمان القبطي ، ومحمد بن ياغي سيان ، الذي كان [ ص: 487 ] أبوه صاحب أنطاكية ، وقزل أرسلان بن السبع الأحمر ، فلما وصل بركيارق وقعت الحرب بينهما على باب خوي من أذربيجان عند غروب الشمس ، ودامت إلى العشاء الآخرة .

فاتفق أن الأمير إياز أخذ معه خمسمائة فارس مستريحين ، وحمل بهم ، وقد أعيا العسكر من الجهتين ، على عسكر السلطان محمد ، فكسرهم وولوا الأدبار لا يلوي أحد على أحد .

فأما السلطان بركيارق فإنه قصد جبلا بين مراغة وتبريز ، كثير العشب والماء ، فأقام به أياما ، وسار إلى زنجان .

وأما السلطان محمد فإنه سار مع جماعة من أصحابه إلى أرجيش ، من بلاد أرمينية ، على أربعين فرسخا من الوقعة ، وهي من أعمال خلاط ، من جملة أقطاع الأمير سكمان القبطي ، وسار منه إلى خلاط ، واتصل به الأمير علي صاحب أرزن الروم ، وتوجه إلى آنى ، وصاحبها منوجهر أخو فضلون الروادي ، ومنها سار إلى تبريز من أذربيجان . وسنذكر باقي أخبارهم سنة سبع وتسعين وأربعمائة عند صلحهم إن شاء الله .

وكان الأمير محمد بن مؤيد الملك بن نظام الملك مع السلطان محمد في هذه الوقعة ، فمر منهزما ، ودخل ديار بكر ، وانحدر منها إلى جزيرة ابن عمر ، وسار منها إلى بغداذ ، وكان في حياة أبيه يقيم ببغداذ في سوق المدرسة ، فاتصلت الشكاوى منه إلى أبيه ، فكتب إلى كوهرائين بالقبض عليه ، فاستجار بدار الخلافة ، وتوجه سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة إلى مجد الملك البلاساني ، ووالده حينئذ بكنجة عند السلطان محمد ، قبل أن يخطب لنفسه بالسلطنة ، وتوجه بعد قتل مجد الملك إلى والده ، وقد صار وزير السلطان محمد ، وخطب لمحمد بالسلطنة ، وبقي بعد قتل والده ، واتصل بالسلطان محمد ، وحضر معه هذه الحرب فانهزم .

التالي السابق


الخدمات العلمية