ذكر 
حال طرابلس  الشام  مع الفرنج  كان  
صنجيل الفرنجي  ، لعنه الله ، قد ملك مدينة 
جبلة  ، وأقام على 
طرابلس  يحصرها ، فحيث لم يقدر أن يملكها ، بنى بالقرب منها حصنا ، وبنى تحته ربضا ، وأقام مراصدا لها ، ومنتظرا وجود فرصة فيها ، فخرج  
فخر الملك أبو علي بن عمار  ، صاحب 
طرابلس  ، فأحرق ربضه ، ووقف  
صنجيل  على بعض سقوفه المتحرقة ، ومعه جماعة من القمامصة والفرسان ، فانخسف بهم ، فمرض  
صنجيل  من ذلك عشرة أيام ومات ، وحمل إلى 
القدس  فدفن فيه . 
ثم إن ملك 
الروم  أمر أصحابه باللاذقية ليحملوا الميرة إلى هؤلاء 
الفرنج  الذين على 
طرابلس  ، فحملوها في البحر ، فأخرج إليها  
فخر الملك بن عمار  أسطولا ، فجرى   
[ ص: 527 ] بينهم وبين 
الروم  قتال شديد ، فظهر المسلمون بقطعة من 
الروم  ، فأخذوها ، وأسروا من كان بها وعادوا . 
ولم تزل الحرب بين 
أهل طرابلس   والفرنج  خمس سنين إلى هذا الوقت ، فعدمت الأقوات به ، وخاف أهله على نفوسهم وأولادهم وحرمهم ، فجلا الفقراء ، وافتقر الأغنياء ، وظهر من  
ابن عمار  صبر عظيم ، وشجاعة ، ورأي سديد . 
ومما أضر بالمسلمين فيها أن صاحبها استنجد  
 nindex.php?page=showalam&ids=16195سقمان بن أرتق  فجمع العساكر وسار إليه ، فمات في الطريق ، على ما ذكرناه ، وإذا أراد الله أمرا هيأ أسبابه . 
وأجرى  
ابن عمار  الجرايات على الجند والضعفى ، فلما قلت الأموال عنده شرع يقسط على الناس ما يخرجه في باب الجهاد ، فأخذ من رجلين من الأغنياء مالا مع غيرهما ، فخرج الرجلان إلى 
الفرنج  وقالا : إن صاحبنا صادرنا ، فخرجنا إليكم لنكون معكم ، وذكرا لهم أنه تأتيه الميرة من 
عرقة  والجبل  ، فجعل 
الفرنج  جمعا على ذلك الجانب يحفظه من دخول شيء إلى البلد ، فأرسل  
ابن عمار  وبذل للفرنج مالا كثيرا ليسلموا الرجلين إليه ، فلم يفعلوا فوضع عليهما من قتلهما غيلة ، وكانت 
طرابلس  من أعظم بلاد الإسلام وأكثرها تجملا وثروة ، فباع أهلها من الحلى ، والأواني الغربية ، ما لا حد عليه ، حتى بيع كل مائة درهم نقرة بدينار . 
وشتان بين هذه الحالة وبين حال 
الروم  أيام السلطان  
ألب أرسلان  ، وقد ذكرت ظفره بهم سنة ثلاث وستين وأربعمائة ، وقد كان بعض أصحابه ، وهو  
كمشتكين دواتي عميد الملك  ، هرب منه خوفا لما قبض على صاحبه  
عميد الملك  ، وسار إلى 
الرقة  فملكها ، وصار معه كثير من 
التركمان  ، فيهم : الأفشين ، وأحمد شاه ، فقتلاه ، وأرسلا أمواله إلى  
ألب أرسلان  ، ودخل  
الأفشين  بلاد 
الروم  ، وقاتل  
الفردوس  ، صاحب 
أنطاكية  ، فهزمه ، وقتل من 
الروم  خلقا كثيرا . 
وسار ملك 
الروم  من 
القسطنطية  إلى 
ملطية  ، فدخل  
الأفشين  بلاده ووصل إلى 
عمورية  ، وقتل في غزاته مائة ألف آدمي ، ولما عاد إلى بلاد الإسلام وتفرق من معه عليه خرج عسكر 
الرها  ، وهي حينئذ 
للروم  ، ومعهم 
بنو نمير  من العرب ، فقاتلهم ، ومعه مائتا فارس ، فهزمهم ونهبهم ، ونهب بلاد 
الروم  ، فأرسل ملك 
الروم  رسولا إلى القائم   
[ ص: 528 ] بأمر الله يسأله الصلح فأرسل إلى  
ألب أرسلان  في ذلك ، فصالح 
الروم  على مائة ألف دينار ، وأربعة آلاف ثوب أصنافا ، وثلاثمائة رأس بغالا . 
فشتان بين الحالتين . 
وأقول شتان بين حال أولئك المرذولين الذين استعجزهم ، وبين حال الناس في زماننا هذا ، وهو سنة ست عشرة وستمائة مع 
الفرنج  أيضا 
والتتر  ، وسترى ذلك مشروحا ، إن شاء الله تعالى ، لتعلم الفرق ، نسأل الله تعالى أن ييسر للإسلام وأهله قائما يقوم بنصرهم ، وأن يدفع عنهم بمن أحب من خلقه ، وما ذلك على الله بعزيز .