صفحة جزء
ذكر ملك قلج أرسلان الموصل

قد ذكرنا أن أصحاب جكرمش كتبوا إلى الأمير صدقة ، وقسيم الدولة البرسقي ، والملك قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش السلجوقي ، صاحب بلاد الروم ، يستدعون كلا منهم إليهم ليسلموا البلد إليه ، فأما صدقة فامتنع ، ورأى طاعة السلطان ، وأما قلج أرسلان فإنه سار في عساكره فلما سمع جاولي سقاوو بوصوله إلى نصيبين رحل عن الموصل ، وأما البرسقي فإنه كان شحنة بغداذ ، فسار منها إلى الموصل ، فوصلها بعد رحيل جاولي عنها ، فنزل بالجانب الشرقي ، فلم يلتفت أحد إليه ، ولا أرسلوا إليه كلمة واحدة ، فعاد في باقي يومه .

ثم إن قلج أرسلان لما وصل إلى نصيبين أقام بها حتى كثر جمعه ، فلما سمع جاولي بقربه رحل من الموصل إلى سنجار ، وأودع رحله بها ، واتصل به الأمير إيلغازي بن أرتق وجماعة من عسكر جكرمش ، فصار معه أربعة آلاف فارس ، فأتاه كتاب الملك رضوان يستدعيه إلى الشام ، ويقول له : إن الفرنج قد عجز من بالشام عن منعهم ، فسار إلى الرحبة .

وأرسل أهل الموصل وعسكر جكرمش إلى قلج أرسلان ، وهو بنصيبين ، فاستحلفوه لهم ، فحلف ، واستحلفهم على الطاعة له والمناصحة ، وسار معهم إلى الموصل ، فملكها في الخامس والعشرين من رجب ، ونزل بالمعرقة ، وخرج إليه ولد جكرمش وأصحابه ، فخلع عليهم ، وجلس على التخت ، وأسقط السلطان محمدا ، وخطب لنفسه بعد الخليفة ، وأحسن إلى العسكر ، وأخذ القلعة من غزغلي ، مملوك جكرمش ، وجعل له فيها دزدارا ، ورفع الرسوم المحدثة في الظلم ، وعدل في الناس وتألفهم ، وقال : من سعى إلي بأحد قتلته ، فلم يسع أحد بأحد ، وأقر القاضي [ ص: 539 ] أبا محمد عبد الله بن القاسم بن الشهرزوري على القضاء بالموصل ، وجعل الرئاسة لأبي بركات محمد بن محمد بن خميس ، وهو والد شيخنا أبي الربيع سليمان .

وكان في جملة قلج أرسلان الأمير إبراهيم بن ينال التركماني ، صاحب آمد ، ومحمد بن جبق التركماني ، صاحب حصن زياد ، وهو خرتبرت .

فأما إبراهيم بن ينال فكان سبب ملكه لمدينة آمد أن تاج الدولة تتش ، حين ملك ديار بكر ، سلمها إليه ، فبقيت بيده ، وأما محمد بن جبق فكان سبب ملكه لحصن زياد أن هذا الحصن كان بيد الفلادروس الرومي ، ترجمان ملك الروم ، وكانت الرها وأنطاكية من أعماله ، فلما ملك سليمان بن قتلمش ، والد قلج أرسلان هذا أنطاكية ، وملك فخر الدولة بن جهير ديار بكر ، ضعف الفلادروس عن إقامة ما يحتاج إليه حصن زياد من الميرة والإقامة ، فأخذه جبق ، وأسلم الفلادروس على يد السلطان ملكشاه ، وأمره على الرها ، فلم يزل عليها حتى مات وأخذها الأمير بزان بعده .

وكان بالقرب من حصن زياد حصن آخر بيد إنسان من الروم اسمه إفرنجي ، وكان يقطع الطريق ، ويكثر قتل المسلمين ، فأرسل إليه جبق هدية ، وخطب إليه مودته ، وأن يعين كل واحد منهما صاحبه ، فأجابه إلى ذلك ، فكان جبق يعين إفرنجي على قطع الطريق وغيره ، وكذلك إفرنجي يعين جبق ، فلما وثق كل واحد بصاحبه أرسل إليه جبق : إني أريد قصد بعض الأماكن ، وطلب أن يرسل إليه أصحابه ، فأرسلهم إليه ، فلما ساروا معه في الطريق تقدم بكتفهم ، وحملهم إلى قلعة إفرنجي ، وقال لأهليهم : والله لئن لم تسلموا إلي إفرنجي لأضربن أعناقهم ، ولآخذن الحصن عنوة ، ولأقتلنكم على دم واحد . ففتحوا له الحصن ، وسلموا إليه إفرنجي ، فسلخه وأخذ أمواله وسلاحه ، وكان عظيما ، ومات جبق ، فولي بعده ابنه محمد .

التالي السابق


الخدمات العلمية