صفحة جزء
[ ص: 563 ] 502

ثم دخلت سنة اثنتين وخمسمائة ذكر استيلاء مودود وعسكر السلطان على الموصل وولاية مودود

في هذه السنة ، في صفر ، استولى مودود ، والعسكر الذي أرسله السلطان معه ، على مدينة الموصل ، وأخذوها من أصحاب جاولي سقاوو ، وقد ذكرنا سنة خمسمائة استيلاء جاولي عليها ، وما جرى بينه وبين جكرمش والملك قلج أرسلان ، وهلاكهما على يده ، وصار معه بعد ذلك العسكر الكثير ، والعدة التامة ، والأموال الكثيرة ، وكان السلطان محمد قد جعل إليه ولاية كل بلد يفتحه ، فاستولى على كثير من البلاد والأموال .

وكان سبب أخذ البلاد منه : أنه لما استولى عليها ، وعلى الأموال الكثيرة منها ، لم يحمل إلى السلطان منها شيئا ، فلما وصل السلطان إلى بغداذ ، لقصد بلاد سيف الدولة صدقة ، أرسل إلى جاولي يستدعيه إليه بالعساكر ، وكرر الرسل إليه ، فلم يحضر ، وغالط في الانحدار إليه ، وأظهر أنه يخاف أن يجتمع به ، ولم يقنع بذلك ، حتى كاتب صدقة ، وأظهر له أنه معه ، ومساعده على حرب السلطان ، وأطمعه في الخلاف والعصيان .

فلما فرغ السلطان من أمر صدقة ، وقتله ، كما ذكرناه ، تقدم إلى الأمراء بني برسق ، وسكمان القطبي ، ومودود بن ألتونتكين ، وآقسنقر البرسقي ، ونصر ابن مهلهل بن [ ص: 564 ] أبي الشوك الكردي ، وأبي الهيجاء ، صاحب إربل ، بالمسير إلى الموصل ، وبلاد جاولي ، وأخذها منه ، فتوجهوا نحو الموصل ، فوجدوا جاولي عاصيا قد شيد سور الموصل ، وأحكم ما بناه جكرمش ، وأعد الميرة والأقوات والآلات ، واستظهر على الأعيان بالموصل ، فحبسهم ، وأخرج من أحداثها ما يزيد على عشرين ألفا ، ونادى : متى اجتمع عاميان على الحديث في هذا الأمر قتلهما ، وخرج عن البلد ، ونهب السواد .

وترك بالبلد زوجته ابنة برسق ، وأسكنها القلعة ، ومعها ألف وخمسمائة فارس من الأتراك ، سوى غيرهم ، وسوى الرجالة ، ونزل العسكر عليها في شهر رمضان سنة إحدى وخمسمائة ، وصادرت زوجته من بقي بالبلد ، وعسفت نساء الخارجين عنه ، وبالغت في الاحتراز عليهم ، فأوحشهم ذلك ، ودعاهم إلى الانحراف عنها ، وقوتل أهل البلد قتالا متتابعا ، فتمادى الحصار بأهلها من خارج ، والظلم من داخل إلى آخر المحرم ، والجند بها يمنعون عاميا من القرب من السور .

فلما طال الأمر على الناس ، اتفق نفر من الجصاصين - ومقدمهم جصاص يعرف بالسعدي - على تسليم البلد ، وتحالفوا على التساعد ، وأتوا وقت صلاة الجمعة ، والناس بالجامع ، وصعدوا برجا ، وأغلقوا أبوابه ، وقتلوا من به من الجند ، وكانوا نياما ، فلم يشعروا بشيء ، حتى قتلوا ، وأخذوا سلاحهم ، وألقوهم إلى الأرض ، وملكوا برجا آخر .

ووقعت الصيحة ، وقصدهم مائتا فارس من العسكر ، ورموهم بالنشاب ، وهم يقاتلون ، وينادون بشعار السلطان ، فزحف عسكر السلطان إليهم ، ودخلوا البلد من ناحيتهم ، وملكوه ، ودخله الأمير مودود ، ونودي بالسكون والأمن ، وأن يعود الناس إلى دورهم وأملاكهم ، وأقامت زوجة جاولي بالقلعة ثمانية أيام ، وراسلت الأمير مودودا في أن يفرج لها عن طريقها ، وأن يحلف لها على الصيانة والحراسة ، فحلف ، وخرجت إلى أخيها برسق بن برسق ، ومعها أموالها وما استولت عليه وولي مودود الموصل وما ينضاف إليها .

التالي السابق


الخدمات العلمية