صفحة جزء
ذكر حال الباطنية أيام السلطان محمد

قد تقدم ذكر ما اعتمده من حصر قلاعهم ، ونحن نذكر هاهنا زيادة اهتمامه بأمرهم ، فإنه ، رحمه الله تعالى ، لما علم أن مصالح البلاد والعباد منوطة بمحو آثارهم ، وإخراب ديارهم ، وملك حصونهم وقلاعهم ، جعل قصدهم دأبه .

[ ص: 621 ] وكان ، في أيامه ، المقدم عليهم ، والقيم بأمرهم الحسن بن الصباح الرازي ، صاحب قلعة ألموت ، وكانت أيامه قد طالت ، وله منذ ملك قلعة ألموت ما يقارب ستا وعشرين سنة ، وكان المجاورون له في أقبح صورة من كثرة غزاته عليهم وقتله وأسر رجالهم ، وسبي نسائهم ، فسير إليه السلطان العساكر ، على ما ذكرناه ، فعادت من غير بلوغ غرض . فلما أعضل داؤه ندب لقتاله الأمير أنوشتكين شيركير ، صاحب آبة ، وساوة ، وغيرهما ، فملك منهم عدة قلاع منها قلعة كلام ، ملكها في جمادى الأولى سنة خمس وخمسمائة ، وكان مقدمها يعرف بعلي بن موسى ، فأمنه ومن معه ، وسيرهم إلى ألموت ، وملك منهم أيضا قلعة بيرة ، وهي على سبعة فراسخ من قزوين ، وأمنهم ، وسيرهم إلى ألموت أيضا .

وسار إلى قلعة ألموت فيمن معه من العساكر ، وأمده السلطان بعدة من الأمراء ، فحصرهم ، وكان هو ، من بينهم ، صاحب القريحة والبصيرة في قتالهم ، مع جودة رأي وشجاعة ، فبنى عليها مساكن يسكنها هو ومن معه ، وعين لكل طائفة من الأمراء أشهرا يقيمونها ، فكانوا ينيبون ، ويحضرون ، وهو ملازم الحصار ، وكان السلطان ينقل إليه الميرة ، والذخائر ، والرجال ، فضاق الأمر على الباطنية ، وعدمت عندهم الأقوات وغيرها ، فلما اشتد عليهم الأمر نزلوا نساءهم وأبناءهم مستأمنين ، وسألوا أن يفرج لهم ولرجالهم عن الطريق ، ويؤمنوا ، فلم يجابوا إلى ذلك ، وأعادهم إلى القلعة ، قصدا ليموت الجميع جوعا .

وكان ابن الصباح يجري لكل رجل منهم ، في اليوم ، رغيفا ، وثلاث جوزات ، فلما بلغ بهم الأمر إلى الحد الذي لا مزيد عليه ، بلغهم موت السلطان محمد ، فقويت نفوسهم ، وطابت قلوبهم ، ووصل الخبر إلى العسكر المحاصر لهم بعدهم بيوم ، وعزموا على الرحيل ، فقال شيركير : إن رحلنا عنهم وشاع الأمر ، نزلوا إلينا ، وأخذوا ما أعددنا من الأقوات والذخائر ، والرأي أن نقيم على قلعتهم حتى نفتحها ، وإن لم يكن المقام ، فلا بد من مقام ثلاثة أيام ، ينفذ منا ثقلنا وما أعددناه ونحرق ما نعجز عن حمله لئلا يأخذه العدو .

فلما سمعوا قوله علموا صدقه ، فتعاهدوا على الاتفاق والاجتماع ، فلما أمسوا [ ص: 622 ] رحلوا من غير مشاورة ، ولم يبق غير شيركير ، ونزل إليه الباطنية من القلعة ، فدافعهم وقاتلهم وحمى من تخلف من سوقة العسكر وأتباعه ، ولحق بالعسكر ، فلما فارق القلعة غنم الباطنية ما تخلف عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية