صفحة جزء
ذكر هرب الأمير أبي الحسن أخي المسترشد وعوده

لما اشتغل الناس ببيعة المسترشد بالله ، ركب أخوه الأمير أبو الحسن بن المستظهر بالله سفينة ، ومعه ثلاثة نفر ، وانحدر إلى المدائن ، وسار منها إلى دبيس بن صدقة بالحلة ، فكرمه دبيس ، وعلم منه وفاة المستظهر بالله ، وأقام له الإقامات الكثيرة ، فلما علم المسترشد بالله خبره أهمه ذلك وأقلقه ، وأرسل إلى دبيس يطلب منه إعادته ، فأجاب بأنني عبد الخليفة ، وواقف عند أمره ، ومع هذا فقد استذم بي ، ودخل منزلي ، فلا أكرهه على أمر أبدا .

وكان الرسول نقيب النقباء شرف الدين علي بن طراد الزينبي ، فقصد الأمير أبا الحسن ، وتحدث معه في عوده ، وضمن له عن الخليفة كل ما يريده فأجاب إلى العود ، وقال : إنني لم أفارق أخي لشر أريده ، وإنما الخوف حملني على مفارقته ، فإذا أمنني قصدته . وتكفل دبيس بإصلاح الحال بنفسه ، والمسير معه إلى بغداذ ، فعاد النقيب وأعلم الخليفة الحال ، فأجاب إلى ما طلبه منه .

ثم حدث من أمر البرسقي ودبيس ومنكوبرس ما ذكرناه ، فتأخر الحال .

وأقام الأمير أبو الحسن عند دبيس إلى ثاني عشر صفر سنة ثلاث عشرة وخمسمائة ، ثم سار عن الحلة إلى واسط ، وكثر جمعه وقوي الإرجاف بقوته ، وملك مدينة واسط ، وخيف جانبه ، فتقدم الخليفة المسترشد بالله بالخطبة لولي عهده ولده أبي [ ص: 630 ] جعفر المنصور ، وعمره حينئذ اثنتا عشرة سنة ، فخطب له ثاني ربيع الآخر ببغداذ ، وكتب إلى البلاد بالخطبة له ، وأرسل إلى دبيس في معنى الأمير أبي الحسن ، وأنه الآن قد فارق جواره ، ومد يده إلى بلاد الخليفة وما يتعلق به ، وأمره بقصده ومعاجلته قبل قوته ، فأرسل دبيس العساكر عليه ، ففارق واسط ، وقد تحير هو وأصحابه ، فضلوا الطريق ، ووصلت عساكر دبيس ، فصادفوهم عند الصلح ، فنهبوا أثقاله ، وهرب الأكراد من أصحابه ، والأتراك ، وعاد الباقون إلى دبيس .

وبقي الأمير أبو الحسن في عشرة من أصحابه وهو عطشان ، وبينه وبين الماء خمسة فراسخ ، وكان الزمان قيظا ، فأيقن بالتلف ، وتبعه بدويان ، فأراد الهرب منهما ، فلم يقدر ، فأخذاه ، وقد اشتد به العطش ، فسقياه ، وحملاه إلى دبيس ، فسيره إلى بغداذ ، وحمله إلى الخليفة ، بعد أن بذل له عشرين ألف دينار ، فحمل إلى الدار العزيزة ، وكان بين خروجه عنها وعوده إليها أحد عشر شهرا .

ولما دخل على المسترشد بالله قبل قدمه ، وقبله المسترشد ، وبكيا ، وأنزله دارا حسنة كان هو يسكنها قبل أن يلي الخلافة ، وحمل إليه الخلع ، والتحف الكثيرة ، وطيب نفسه وأمنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية