صفحة جزء
ذكر قتل كعب بن الأشرف اليهودي

وفي هذه السنة قتل كعب بن الأشرف ، وهو أحد بني نبهان من طيئ ، وكانت أمه [ ص: 35 ] من بني النضير ، وكان قد كبر عليه قتل من قتل ببدر من قريش ، فسار إلى مكة وحرض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبكى أصحاب بدر ، وكان يشبب بنساء المسلمين حتى آذاهم ، فلما عاد إلى المدينة قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من لي من ابن الأشرف ؟ فقال محمد بن مسلمة الأنصاري : أنا لك به ، أنا أقتله . قال : فافعل إن قدرت على ذلك . قال : يا رسول الله ، لابد لنا ما نقول . قال : قولوا ما بدا لكم ، فأنتم في حل من ذلك .

فاجتمع محمد بن مسلمة وسلكان بن سلامة بن وقش ، وهو أبو نائلة ، والحارث بن أوس بن معاذ ، وكان أخا كعب من الرضاعة ، وعباد بن بشر ، وأبو عبس بن جبر ، ثم قدموا إلى ابن الأشرف أبا نائلة ، فتحدث معه ثم قال له : يا بن الأشرف ، إني قد جئتك لحاجة فاكتمها علي . قال : أفعل . قال : كان قدوم هذا الرجل شؤما على العرب ، قطع عنا السبل حتى ضاعت العيال ، وجهدت البهائم . فقال كعب : قد كنت أخبرتك بهذا . قال أبو نائلة : وأريد أن تبيعنا طعاما ونرهنك ، ونوثق لك ، وتحسن في ذلك . قال : ترهنوني أبناءكم ؟ قال : أردت أن تفضحنا ، إن معي أصحابي على مثل رأيي ، تبيعهم وتحسن ، ونجعل عندك رهنا من الحلقة ما فيه وفاء ، وأراد أبو نائلة بذكر الحلقة ، وهي السلاح ، أن لا ينكر السلاح إذا جاء مع أصحابه . فقال : إن في الحلقة لوفاء .

فرجع أبو نائلة إلى أصحابه فأخبرهم ، فأخذوا السلاح وساروا إليه ، وشيعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى بقيع الغرقد ودعا لهم . فلما انتهوا إلى حصن كعب هتف به أبو نائلة ، وكان كعب قريب عهد بعرس ، فوثب إليه ، وتحدثوا ساعة ، وسار معهم إلى شعب العجوز . ثم إن أبا نائلة أخذ برأس كعب وشم بيده وقال : ما رأيت كالليلة طيبا أعرف قط . ثم مشى ساعة وعاد لمثلها حتى اطمأن كعب ، ثم مشى ساعة وأخذ بفود رأسه ، ثم قال : اضربوا عدو الله ! فاختلفت عليه أسيافهم ، فلم تغن شيئا . قال محمد بن مسلمة : فذكرت مغولا في سيفي فأخذته ، وقد صاح عدو الله صيحة لم يبق حولنا حصن إلا أوقدت عليه نار ، قال : فوضعته في ثندؤته ، ثم تحاملت عليه حتى بلغت عانته ، ووقع عدو الله .

[ ص: 36 ] وقد أصيب الحارث بن أوس بن معاذ ، أصابه أسيافنا ، قال : فخرجنا على بعاث وقد أبطأ علينا صاحبنا ، فوقفنا له ساعة وقد نزفه الدم ، ثم أتانا فاحتملناه وجئنا به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرناه بقتل عدو الله ، وتفل على جرح صاحبنا وعدنا إلى أهلينا وقد خافت يهود ، ليس بها يهودي إلا وهو يخاف على نفسه .

قال : وقال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : من ظفرتم به من رجال يهود فاقتلوه ، فوثب محيصة بن مسعود على ابن سنينة اليهودي ، وهو من تجار يهود ، فقتله ، وكان يبايعهم ، فقال له أخوه حويصة ، وهو مشرك : يا عدو الله ، قتلته ! أما والله لرب شحم في بطنك من ماله ! وضربه ، فقال محيصة : لقد أمرني بقتله من لو أمرني بقتلك لقتلتك . قال : فوالله إن كان لأول إسلام حويصة . فقال : إن دينا بلغ بك ما أرى لعجب . ثم أسلم .

( عبس بن جبر بفتح العين المهملة ، وسكون الباء الموحدة . وجبر بالجيم ، والباء الموحدة ، وسنينة تصغير سن ) .

وفي ربيع الأول منها تزوج عثمان بن عفان أم كلثوم بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبنى بها في جمادى الآخرة .

وفيها ولد السائب بن يزيد ابن أخت نمير .

وقال الواقدي : وفيها غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة أنمار يقال لها : ذو أمر ، وقد ذكرنا قول ابن إسحاق قبل ذلك .

وفيها كان غزوة الفردة ، وكان أميرها زيد بن حارثة ، وهي أول سرية خرج فيها زيد أميرا .

وكان من حديثها أن قريشا خافت من طريقها التي كانت تسلك إلى الشام بعد بدر ، [ ص: 37 ] فسلكوا طريق العراق ، فخرج منهم جماعة فيهم صفوان بن أمية وأبو سفيان . وكان عظيم تجارتهم الفضة ، وكان دليلهم فرات بن حيان من بكر بن وائل ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا ، فلقيهم على ماء يقال له : الفردة ، فأصاب العير وما فيها ، وأعجزه الرجال ، فقدم بها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان الخمس عشرين ألفا ، وقسم الأربعة الأخماس على السوية ، وأتى بفرات بن حيان أسيرا فأسلم ، فأطلقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم .

( الفردة : ماء بنجد ، وقد اختلف العلماء في ضبطه ، فقيل فردة بالفاء المفتوحة والراء الساكنة ، وبه مات زيد الخيل ، ويرد ذكره ، وضبطه ابن الفرات في غير موضع قردة بالقاف ، وقال ابن إسحاق : وسير زيد بن حارثة إلى الفردة ، ماء من مياه نجد ، ضبطه ابن الفرات أيضا بفتح الفاء والراء ، فإن كانا مكانين وإلا فقد ضبط ابن الفرات أحدهما خطأ ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية