صفحة جزء
ذكر قتل الإسماعيلية بدمشق

قد ذكرنا فيما تقدم قتل إبراهيم الأسداباذي ببغداذ ، وهرب ابن أخته بهرام إلى الشام ، وملكه قلعة بانياس ، ومسيره إليها ، ولما فارق دمشق أقام له بها خليفة يدعو الناس إلى مذهبه ، فكثروا وانتشروا ، وملك هو عدة حصون من الجبال منها القدموس [ ص: 17 ] وغيره ، وكان بوادي التيم من أعمال بعلبك أصحاب مذاهب مختلفة من النصيرية ، والدرزية والمجوس وغيرهم ، وأميرهم اسمه الضحاك ، فسار إليهم بهرام سنة اثنتين وعشرين [ وخمسمائة ] ، وحصرهم وقاتلهم ، فخرج إليه الضحاك في ألف رجل ، وكبس عسكر بهرام فوضع السيف فيهم ، وقتل منهم مقتلة كثيرة ، وقتل بهرام ، وانهزم من سلم ، وعادوا إلى بانياس على أقبح صورة .

وكان بهرام قد استخلف في بانياس رجلا من أعيان أصحابه اسمه إسماعيل ، فقام مقامه ، وجمع شمل من عاد إليه منهم ، وبث دعاته في البلاد ، وعاضده المزدقاني أيضا ، وقوى نفسه على ما عنده من الامتعاض بهذه الحادثة والهم بسببها .

ثم إن المزدقاني أقام بدمشق عوض بهرام إنسانا اسمه أبو الوفاء ، فقوي أمره ، وعلا شأنه ، وكثر أتباعه ، وقام بدمشق ، فصار المستولي على من بها من المسلمين ، وحكمه أكثر من حكم صاحبها تاج الملوك . ثم إن المزدقاني راسل الفرنج ليسلم إليهم مدينة دمشق ، ويسلموا إليه مدينة صور ، واستقر الأمر بينهم على ذلك ، وتقرر بينهم الميعاد يوم جمعة ذكروه ، وقرر المزدقاني مع الإسماعيلية أن يحتاطوا ذلك اليوم ( بأبواب الجامع ، فلا يمكنوا أحدا من الخروج ) منه ;ليجيء الفرنج ويملكوا البلاد ، فبلغ الخبر تاج الملوك صاحب دمشق ، فاستدعى المزدقاني إليه فحضر وخلا معه ، فقتله تاج الملوك ، وعلق رأسه على باب القلعة ، ونادى في البلد بقتل الباطنية ، فقتل منهم ستة آلاف نفس ، وكان ذلك منتصف رمضان من السنة ، وكفى الله المسلمين شرهم ، ورد على الكافرين كيدهم .

ولما تمت هذه الحادثة بدمشق على الإسماعيلية خاف إسماعيل والي بانياس أن يثور به وبمن معه الناس فيهلكوا ، فراسل الفرنج ، وبذل لهم تسليم بانياس إليهم والانتقال إلى بلادهم ، فأجابوه ، فسلم القلعة إليهم ، وانتقل هو ومن معه من أصحابه إلى بلادهم ، ولقوا شدة وذلة وهوانا ، وتوفي إسماعيل أوائل سنة أربع وعشرين [ وخمسمائة ] ، وكفى الله المؤمنين شرهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية