صفحة جزء
ذكر حرب بين السلطان مسعود والملك داود ومن معه من الأمراء

لما فارق الراشد بالله أتابك زنكي من الموصل سار نحو أذربيجان ، فوصل مراغة ، وكان الأمير منكبرس صاحب فارس ، ونائبه بخوزستان الأمير بوزابة ، والأمير عبد الرحمن طغايرك صاحب خلخال ، والملك داود ابن السلطان محمود ، مستشعرين من السلطان مسعود ، خائفين منه ، فتجمعوا ، ووافقوا الراشد على الاجتماع معهم لتكون أيديهم واحدة ، ويردوه إلى الخلافة ، فأجابهم إلى ذلك ، إلا أنه لم يجتمع معهم .

ووصل الخبر إلى السلطان مسعود وهو ببغداد باجتماعهم ، فسار عنها في شعبان [ ص: 94 ] نحوهم ، فالتقوا ببنجن كشت ، فاقتتلوا فهزمهم السلطان مسعود ، وأخذ الأمير منكبرس أسيرا ، فقتل بين يديه صبرا ، وتفرق عسكر مسعود في النهب واتباع المنهزمين .

وكان بوزابة وعبد الرحمن طغايرك على نشز من الأرض ، فرأيا السلطان مسعودا وقد تفرق عسكره عنه ، فحملا عليه وهو في قلة فلم يثبت لهما وانهزم ، وقبض بوزابة على جماعة من الأمراء ، منهم : صدقة بن دبيس صاحب الحلة ، ومنهم ولد أتابك قراسنقر صاحب أذربيجان ، وعنتر بن أبي العسكر ، وغيرهم ، وتركهم عنده .

فلما بلغه قتل صاحبه منكبرس قتلهم أجمعين ، وصار العسكران مهزومين ، وكان هذا من أعجب الاتفاق .

وقصد السلطان مسعود أذربيجان ، وقصد الملك داود همذان ، ووصل إليها الراشد بعد الوقعة فاختلفت آراء الجماعة ، فبعضهم أشار بقصد العراق والتغلب عليه ، وبعضهم أشار باتباع السلطان مسعود للفراغ منه ، فإن ما بعده يهون عليهم ، وكان بوازبة أكبر الجماعة ، فلم ير ذلك ، وكان غرضه إلى بلاد فارس وأخذها بعد قتل صاحبها منكبرس قبل أن يمتنع من بها عليه ، فبطل عليهم ما كانوا فيه ، وسار إليها ملكها ، وصارت له مع خوزستان .

وسار سلجوقشاه ابن السلطان محمد إلى بغداد ليملكها ، فخرج إليه البقش الشحنة بها ، ونظر الخادم أمير الحاج ، وقاتلوه ومنعوه ، وكان عاجزا مستضعفا ، ولما قتل صدقة بن دبيس أقر السلطان مسعود الحلة على أخيه محمد بن دبيس ، وجعل معه مهلهل بن أبي العسكر أخا عنتر المقتول يدبر أمره .

ولما كان البقش شحنة بغداد يقاتل سلجوقشاه ثار العيارون ببغداد ونهبوا الأموال ، وقتلوا الرجال ، وزاد أمرهم حتى كانوا يقصدون أرباب الأموال ظاهرا ، ويأخذون منهم ما يريدون ، ويحملون الأمتعة على رءوس الحمالين ، فلما عاد الشحنة قتل منهم وصلب ، وغلت الأسعار ، وكثر الظلم منه ، وأخذ المستورين بحجة العيارين ، فجلا الناس عن بغداد إلى الموصل وغيرها من البلاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية