صفحة جزء
ذكر ملك زنكي بعلبك

في هذه السنة في ذي القعدة سار عماد الدين أتابك زنكي بن آقسنقر إلى بعلبك ، فحصرها ثم ملكها ، وسبب ذلك أن محمودا صاحب دمشق لما قتل كانت والدته زمرد خاتون عند أتابك زنكي بحلب قد تزوجها ، فوجدت لقتل ولدها وجدا شديدا ، وحزنت عليه ، وأرسلت إلى زنكي وهو بديار الجزيرة تعرفه الحادثة ، وتطلب منه أن يقصد دمشق ويطلب بثأر ولدها .

فلما وقف على هذه الرسالة بادر في الحال من غير توقف ولا تريث ، وسار مجدا ليجعل ذلك طريقا إلى ملك البلد ، وعبر الفرات عازما على قصد دمشق ، فاحتاط من بها واستعدوا ، واستكثروا من الذخائر ، ولم يتركوا شيئا مما يحتاجون إليه إلا وبذلوا الجهد في تحصيله ، وأقاموا [ ص: 102 ] ينتظرون وصوله إليهم ، فتركهم وسار إلى بعلبك .

وقيل :

كان السبب في ملكها أنها كانت لمعين الدين أنز كما ذكرناه ، وكان له جارية يهواها ، فلما تزوج أم جمال الدين سيرها إلى بعلبك ، فلما سار زنكي إلى الشام عازما على قصد دمشق سير إلى أنز يبذل له البذول العظيمة ليسلم إليه دمشق فلم يفعل .

وسار أتابك إلى بعلبك فوصل إليها في العشرين من ذي الحجة من السنة فنازلها في عساكره ، وضيق عليها ، وجد في محاربتها ، ونصب عليها من المنجنيقات أربعة عشرة عددا ترمي ليلا ونهارا ، فأشرف من بها على الهلاك ، وطلبوا الأمان ، وسلموا إليه المدينة ، وبقيت القلعة وبها جماعة من شجعان الأتراك ، فقاتلهم ، فلما أيسوا من معين ونصير طلبوا الأمان فأمنهم ، فسلموا إليه القلعة ، فلما نزلوا منها وملكها غدر بهم وأمر بصلبهم فصلبوا ، ولم ينج منهم إلا القليل ، فاستقبح الناس ذلك من فعله ، واستعظموه ، وخافه غيرهم ، وحذروه لا سيما أهل دمشق فإنهم قالوا :

لو ملكنا لفعل بنا مثل فعله بهؤلاء ، فازدادوا نفورا ، وجدا في محاربته .

ولما ملك زنكي بعلبك أخذ الجارية التي كانت لمعين الدين أنز بها ، فتزوجها بحلب ، فلم تزل بها إلى أن قتل ، فسيرها ابنه نور الدين محمود إلى معين الدين أنز ، وهي كانت أعظم الأسباب في المودة بين نور الدين وبين أنز ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية