صفحة جزء
[ ص: 150 ] ( 542 )

ثم دخلت سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة

ذكر قتل بوزابة

لما اتصل بالأمير بوزابة قتل عباس جمع عساكره من فارس وخوزستان ، وسار إلى أصفهان فحصرها ، وسير عسكرا آخر إلى همذان ، وعسكرا ثالثا إلى قلعة الماهكي من بلد اللحف ، فأما عسكره الذي بالماهكي فإنه سار إليهم الأمير البقش كون خر ، فدفعهم من أعماله وكانت أقطاعه ، ثم إن بوزابة سار عن أصفهان يطلب السلطان مسعودا ، فراسله السلطان في الصلح ، فلم يجب إليه ، وسار مجدا فالتقيا بمرج قراتكين ، وتصافا ، فاقتتل العسكران ، فانهزمت ميمنة السلطان مسعود وميسرته ، واقتتل القلبان أشد قتال وأعظمه ، صبر فيه الفريقان ، ودامت الحرب بينهما ، فسقط بوزابة عن فرسه بسهم أصابه ، وقيل بل عثر به الفرس فأخذ أسيرا وحمل إلى السلطان فقتل بين يديه ، وانهزم أصحابه لما أخذ هو أسيرا .

وبلغت هزيمة العسكر السلطاني من الميمنة والميسرة إلى همذان ، وقتل بين الفريقين خلق كثير ، وكانت هذه الحرب من أعظم الحروب الكائنة بين الأعاجم .

ذكر طاعة أهل قابس للفرنج وغلبة المسلمين عليها

كان صاحب مدينة قابس ، قبل هذه السنة ، إنسانا اسمه رشيد ، فتوفي وخلف [ ص: 151 ] أولادا ، فعمد مولى له اسمه يوسف إلى ولده الصغير ، واسمه محمد ، فولاه الأمر ، وأخرج ولده الكبير واسمه معمر ، واستولى يوسف على البلد ، وحكم على محمد لصغر سنه .

وجرى منه أشياء من التعرض إلى حرم سيده ، والعهدة على ناقله ، وكان من جملتهن امرأة من بني قرة ، فأرسلت إلى إخوتها تشكو إليهم ما هي فيه ، فجاء إخوتها لأخذها فمنعهم ، وقال : هذه حرمة مولاي ; ولم يسلمها ، فسار بنو قرة ومعمر بن رشيد إلى الحسن صاحب إفريقية ، وشكوا إليه ما يفعل يوسف ، فكاتبه الحسن في ذلك ، فلم يجب إليه ، وقال : لئن لم يكف الحسن عني وإلا سلمت قابس إلى صاحب صقلية ، فجهز الحسن العسكر إليه ، فلما سمع يوسف بذلك أرسل إلى رجار الفرنجي ، صاحب صقلية ، وبذل له الطاعة ، وقال له : أريد منك خلعة وعهدا بولاية قابس لأكون نائبا عنك كما فعلت مع بني مطروح في طرابلس ، فسير إليه رجار الخلعة والعهد ، فلبسها ، وقرئ العهد بمجمع من الناس .

فجد حينئذ الحسن في تجهيز العسكر إلى قابس ، فساروا إليها ونازلوها وحصروها ، فثار أهل البلد بيوسف لما اعتمده من طاعة الفرنج ، وسلموا البلد إلى عسكر الحسن ، وتحصن يوسف في القصر ، فقاتلوه حتى فتحوه ، وأخذ يوسف أسيرا ، فتولى عذابه معمر بن رشيد وبنو قرة ، فقطعوا ذكره وجعلوه في فمه وعذب بأنواع العذاب .

وولي معمر قابس مكان أخيه محمد ، وأخذ بنو قرة أختهم ، وهرب عيسى أخو يوسف وولد يوسف وقصدوا رجار ، صاحب صقلية ، فاستجاروا به وشكوا إليه ما لقوا من الحسن ، فغضب لذلك ، وكان ما نذكره سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة من فتح المهدية ، إن شاء الله تعالى .

ذكر حادثة ينبغي أن يحتاط العاقل من مثلها

كان يوسف هذا صاحب قابس قد أرسل رسولا إلى رجار بصقلية ، فاجتمع هو ورسول الحسن صاحب المهدية عنده ، فجرى بين الرسولين مناظرة ، فذكر رسول يوسف الحسن وما نال منه ، وذمه ، ثم إنهما عادا في وقت واحد ، وركبا البحر كل [ ص: 152 ] واحد منهما في مركبه ، فأرسل رسول الحسن رقعة إلى صاحبه على جناح طائر يخبر بما كان من رسول يوسف ، فسير الحسن جماعة من أصحابه في البحر ، فأخذوا رسول يوسف وأحضروه عند الحسن ، فسبه وقال : ملكت الفرنج بلاد الإسلام وطولت لسانك بذمي ! ثم أركبه جملا وعلى رأسه طرطور بجلاجل وطيف به في البلد ، ونودي عليه : هذا جزاء من سعى أن يملك الفرنج بلاد المسلمين ، فلما توسط المهدية ثار به العامة فقتلوه بالحجارة .

ذكر ملك الفرنج المرية وغيرها من الأندلس

في هذه السنة في جمادى الأولى ، حصر الفرنج مدينة المرية من الأندلس ، وضيقوا عليها برا وبحرا ، فملكوها عنوة ، وأكثروا القتل بها والنهب ، وملكوا أيضا مدينة بياسة وولاية جيان ، وكلها بالأندلس ، ثم استعادها المسلمون بعد ذلك منهم ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

ذكر ملك نور الدين محمود بن زنكي عدة مواضع من بلد الفرنج

في هذه السنة دخل نور الدين محمود بن زنكي صاحب حلب بلد الفرنج ، ففتح منه مدينة أرتاح بالسيف ونهبها ، وحصن مابولة ، وبصرفون وكفرلاثا . وكان الفرنج بعد قتل والده زنكي قد طمعوا ، وظنوا أنهم بعده يستردون ما أخذه ، فلما رأوا من نور الدين هذا الجد في أول أمره علموا أن ما أملوه بعيد .

ذكر أخذ الحلة من علي بن دبيس وعوده إليها

في هذه السنة كثر فساد أصحاب علي بن دبيس بالحلة وما جاورها ، وكثرت الشكاوى منه ، فأقطع السلطان مسعود الحلة للأمير سلاركرد ، فسار إليها من همذان ومعه عسكر ، وانضاف إليه جماعة من عسكر بغداد ، وقصدوا الحلة ، فجمع علي عسكره وحشد ، والتقى العسكران بمطيراباذ ، فانهزم علي ، وملك سلاركرد الحلة ، واحتاط على أهل علي ورجعت العساكر ، وأقام هو بالحلة في مماليكه وأصحابه ، [ ص: 153 ] وسار علي بن دبيس فلحق بالبقش كون خر ، وكان بأقطاعه ، في اللحف ، متجنيا على السلطان ، فاستنجده ، فسار معه إلى واسط ، واتفق هو والطرنطاي ، وقصدوا الحلة فاستنفذوها من سلاركرد في ذي الحجة ، وفارقها سلاركرد وعاد إلى بغداد .

ذكر عدة حوادث في هذه السنة ، في جمادى الأولى ، خطب للمستنجد بالله يوسف بن المقتفي لأمر الله بولاية العهد .

وفيها ولي عون الدين يحيى بن هبيرة كتابة الزمام ببغداد ، وولي زعيم الدين يحيى بن جعفر المخزن .

[ الوفيات ]

وفيها ، في ربيع الأول ، مات أبو القاسم طاهر بن سعيد بن أبي سعيد بن أبي الخير الميهني شيخ رباط البسطامي ببغداد .

وفي ربيع الآخر توفيت فاطمة خاتون بنت السلطان محمد زوجة المقتفي لأمر الله .

وفي رجب منها مات أبو الحسن محمد بن المظفر بن علي بن المسلمة ، ابن رئيس الرؤساء ، ومولده سنة أربع وثمانين [ وأربعمائة ] ، وكان قد تصوف ، وجعل داره التي في القصر رباطا للصوفية .

وفيها سار سيف الدين غازي بن زنكي إلى قلعة دارا ، فملكها وغيرها من بلد ماردين ، ثم سار إلى ماردين وحصرها وخرب بلدها ونهبه .

وكان سبب ذلك أن أتابك زنكي لما قتل تطاول صاحب ماردين وصاحب الحصن إلى ما كان قد فتحه من بلادهما فأخذاه ، فلما ملك سيف الدين وتمكن سار إلى ماردين وحصرها ، وفعل ببلدها الأفاعيل العظيمة ، فلما رأى صاحبها ، وهو حينئذ [ ص: 154 ] حسام الدين تمرتاش ، ما يفعل في بلده قال : كنا نشكو من أتابك الشهيد ، وأين أيامه ؟ لقد كانت أعيادا . قد حصرنا غير مرة ، فلم يأخذ هو ولا أحد من عسكره مخلاة تبن بغير ثمن ، ولا تعدى هو وعسكره حاصل السلطان ، وأرى هذا ينهب البلاد ويخربها .

ثم راسله وصالحه ، وزوجه ابنته ، ورحل سيف الدين عنه وعاد إلى الموصل ، وجهزت ابنة حسام الدين وسيرت إليه ، فوصلت وهو مريض قد أشفى على الموت ، فلم يدخل بها وبقيت عنده إلى أن توفي ، وملك قطب الدين مودود ، فتزوجها ، على ما نذكره إن شاء الله تعالى .

وفيها اشتد الغلاء بإفريقية ودامت أيامه ، فإن أوله كان سنة سبع وثلاثين وخمسمائة ، وعظم الأمر على أهل البلاد حتى أكل بعضهم بعضا ، وقصد أهل البوادي المدن من الجوع ، فأغلقها أهلها دونهم ، وتبعه وباء وموت كثير ، حتى خلت البلاد . وكان أهل البيت لا يبقى منهم أحد ، وسار كثير منهم إلى صقلية في طلب القوت ، ولقوا أمرا عظيما .

التالي السابق


الخدمات العلمية